ليس هناك أدنى مفاجأة على الاطلاق, بأن حركة فتح في قطاع غزة سوف تواجه استهدافا قويا بعد تلك الرسائل التي ارسلتها في السرايا تخليدا لذكرى انطلاقتها الثامنة والأربعين تلك الرسائل الخارقة التي كتبت بحضور واحتشاد مليون ومائتين الف فلسطيني من ابناء القطاع, قالت الكثير, والتقطها الجميع بدون استثناء. ومن الطبيعي ان يكون لذلك الانجاز الذي فاق التوقعات من ردود افعال سلبية سواء من الاعداء او الخصوم او المنافسين او الخلايا النائمة او حتى من المخلصين من قصيري النظر. وموضوعيا: فان ردود الأفعال السلبية على ذلك المهرجان الظاهرة, الذي جرى في الرابع من يناير الماضي بدأت في صباح اليوم التالي مباشرة, أي في صباح الخامس من كانون الثاني, حين اعلن عن قرارات جديدة وتكليفات جديدة, وكانت تلك القرارات متوقعة بل كنا في انتظارها, ولكنها نفذت بطريقة حمقاء, وبطريقة انتقائية, بل وبطريقة فيها تسابق سلبي واضح مع الخصوم والمنافسين والأعداء الذين كان يعلم الجميع انهم شرعوا على الفور في تبهيت وتمزيق صورة المهرجان الظاهرة, والإيحاء بان ردود الافعال السلبية تصدر وتنفذ بيد فتح نفسها! وقبل ان نستفيق من الصدمة وقبل ان نتمكن من تذويب الآثار الجانبية السلبية التي نفذت بها قرارات التشكيل الجديدة التي كنا في انتظارها, حدث تغيير جديد وهذا التغيير مس كل شيء تقريبا باستثناء نقطة التساوق مع الاعداء والخصوم والمنافسين! واتضح ان هناك اشخاصا بعينهم مستهدفون بالإزاحة ولكن بطريقة ناعمة وبطريقة غير فاضحة, وبطريقة تبدو كما لو انها تمثل مصلحة الحركة! وهكذا سرعان ما ابتعد الاهتمام عن العنوان الرئيسي, عنوان الانجاز الذي تحقق في مهرجان غزة الفتحاوي وتعميق معالمه ودلالاته, وبدا مسلسل الاحداث المتلاحقة والحوادث شبه اليومية التي نراها اليوم! وكأن هناك خطة مبرمجة بأن يقع كل يوم حادث ينسب بسرعة الى خلافات فتح, مع ان هذه الخلافات كانت دائما موجودة, ونتحدث عنها بصوت مسموع ونعترف بها علنا, ولكنها تدار بالحوار واتساع الافق وتوسيع فناء البيت ليحتضن كل ابناء العائلة. مهرجان غزة الفتحاوي الذي اطلقت عليه منذ اللحظة الاولى، وكنت في موقع المسؤولية الاولى بأنه المهرجان الظاهرة، ارسل من بين رسائله الرسالة الاهم وهي وحدة فتح في قطاع غزة رغم ظروفه المعقدة, هي ضرورة وطنية لا بديل عنها, وإنها رغم ما لها وما عليها نابعة من اصلاب المصلحة الوطنية الفلسطينية وانه بدونها ليس هناك مشروع وطني على الاطلاق, بل تعود فلسطين الى وضع المشاع كل يدعي انتسابها اليه.
بعد ست سنوات من الانقسام ومرارة الاخطاء, وعبث الايدي الخارجية, فان سطوع هذه الحقيقة على هذا الشكل المدوي في مهرجان وطني حاشد, شكل صدمة كبيرة لكل من كانوا يروجون ان فتح قد هزمت نهائيا في قطاع غزة! لقد ثبت ان فتح هي ارقى اشكال الحضور الوطني, وان الرهان على غيابها هو نوع من الفشل والغباء. ولكن الاشكالية هي: كيف يتم الحفاظ على هذا النهوض الفتحوي, انطلاقا من كون فتح ما زالت هي الضرورة الوطنية, وخاصة الآن في ظل احتدام الصراع بين المشاريع المتناقضة حتى الموت, المشروع الوطني, مشروع الاقاليم الثلاثة المقدسة (الوطن, والكيان والهوية)، الذي حصل على دفقة حياة جديدة بقرار من الجمعية العامة, وعودة الادارة الامريكية لإحياء عملية السلام, وفي الجانب الاخر مشاريع الاسلام السياسي الغامضة, التجريبية, قليلة الخبرة وعديمة الافق مثل الحاق قطاع غزة بمصر, او اعطاء قطاع غزة قطعة من صحراء سيناء لقيام امارة اسلامية او ما شابه ذلك من مشاريع مستندة الى الاستعداد للتفريط والاستعداد لتصديق الاوهام.
حركة فتح هي دعامة المشروع الوطني ومن اجل تحفيزها لتظل قادرة على حمل الاعباء, لابد من الرهان على عمقها الوطني الشامل, فتح ليست مجرد فصيل, فتح هي التي صنعت قيامة الوطنية الفلسطينية بعد النكبة, ولا يجب ان تسقط في معايير الاعداء والخصوم والمنافسين بل يجب الايمان بالمطلق بان فتح هي قوة النسيج الوطني, وتنظيم فتح يجب ان يظل دائما يتبنى اولا هذه الفكرة التأسيسية, فكرة الوطنية الفلسطينية, وان يبني على هذا الاساس, وان تكون الوطنية هي المعيار التي يتشكل على اساسه تنظيم فتح بكل اطاراته القيادية والقاعدية, وكل تحالفاته الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية.
ليست خلافاتنا هي التي يجب ان تتصدر المشهد زورا وبهتانا بل انجازاتنا ودفاعنا المجيد عن مشروعنا الوطني! وأولئك الذين ينغمسون بسهولة في التعيش من وراء هذه الخلافات, انما يخونون انفسهم قبل ان يسيئوا الى حركتهم !!! استنهضوا فتح بوطنيتها ولا تسقطوا في لعبة الاستقطابات الصغيرة.