تتأهب إيران لإعادة الزخم لعلاقاتها الدولية، قبل الشروع في رفع العقوبات. على الطرف الآخر، باشرت الشركات الكبرى في الغرب، في التهيؤ لدخول السوق الإيرانية والتنافس فيما بينها أيها تصل أولاً، مثلما فعلت شركتا "بوينغ" و"إير باص" لانتاج الطائرات. فقد بدأت الأولى في التباحث مع الكونغرس الأميركي، لكي يسمح لها بعقد صفقات منتظرة تصل قيمتها الى 20 مليار دولار!

 لم يكن الإيرانيون نائمين حتى قبل أن تصل مفاوضاتهم مع الغرب الى اتفاق. الآن، هم يرون أن وقتاً قصيراً يفصلهم عن رفع العقوبات (خمسة أو ستة أشهر) لكنهم بدأوا في تدابير رفع تدريجي في انتاج البترول يصل الى نصف مليون برميل يومياً في المرحلة الأولى. وهرعت شركات الغرب، الى طهران، للحصول على تعاقدات لتطوير حقول النفط والغاز، جنباً الى جنب مع الشركات الإيرانية. أما الروس، فقد أعلنوا أن الطريق السالكة من كل العوائق المصرفية، سترفع حجم مبادلاتهم التجارية مع إيران الى عشرة مليارات دولار سنوياً بعد خمس سنوات. ولم يتلكأ الاتحاد الأروبي في الإعلان عن عزم أقطار القارة، على إعادة فتح آفاق الاستثمار هناك، وركز البيان الأوروبي على القطاع البترولي، الذي ستبلغ استثماراته نحو 100 مليار دولار. الفرنسيون سرعان ما أعلنوا عن قرب عودة شركة بيجو ستروين لصناعة السيارات، الى التصنيع المشترك في إيران، كذلك فعلت شركتا "هيونداي موتورز" و"كيا" الكوريتان. ويسترجع الطليان، قبل عودتهم، ذكرى مجدهم الإيراني باعتبارهم كانوا الشريك التجاري الأوروبي الأكبر في هذه السوق، ويقولون إن العقوبات أفقدتهم 16 مليار يورو سنوياً، هي حصادهم الإيراني. وهنأ الأتراك أنفسهم، لكونهم استمروا، في ظل العقوبات، في تصدير بضائع لإيران بلغت قيمتها عشرة مليارات دولار في السنة، ويطمحون الآن الى التواجد بقوة أكبر في السوق الإيرانية!

مثلما نلاحظ، لا عائق سياسياً أمام التعاون الدولي مع إيران، كأنما واقع العلاقات الدولية يقول للأمم المأزومة، إن المصالح فوق كل شيء، وعلى المأزوم أن يفك أزمته وأن يقلّع بيديه الشوك من قدميه، ففي مرحلة العقوبات لم يتثاءب الإيرانيون ولم يرتهنوا لقوالب جامدة، ولم يتركوا مجالاً أو خطاً إلا ارتادوه أو دأبوا على محاولات فتحه. حتى في السينما، دفعوا بأفلامهم الى المهرجانات، ولم تقيدهم شروحات تفصيلية أو تأويلات فقهية وتنطعات. لقد فاز الفيلم الإيراني "السمكة والقط" بعشر جوائز عالمية، منها جائزة مهرجان فينسيا ولشبونة و"فريبورغ" السويسري. وظهرت في الفيلم، الممثلة المليحة مونا أحمدي، المتحجبة في المناسبات الرسمية الإيرانية، بكامل هيئتها كأنثى، على ما تقتضيه الدراما. وعندما فاوض الإيرانيون، ست دول كبرى، لم يكن الأمر يتعلق بالنووي وحسب، وإنما هو سياق الى حيازة القوة، ولاعتراف العالم الأول بقوة إيران، وهذا يشمل ضمناً تسوية للحروب على صعيد أسعار البترول، وتسكين العالم حيال سعيهم الى ما يطمحون اليه في سوريا والعراق ولبنان واليمن.

هذا كله، يستوجب التذكير مرة أخرى، بضرورة قيام العرب بعد طول قعود وسُبات، لكي يستحوذوا على ثرواتهم البشرية قبل ثرواتهم المادية الوفيرة، بدل الاكتفاء بالمراوحة في حديث عن اظافر إيرانية، وترك الكتل الشعبية تزداد فقراً ويستحكم انغلاق الأفق أمام الأجيال. والمؤمل أن يهديهم الله الى الحد الأدنى من التوافق على استراتيجية عمل شاملة، تفتح آفاقاً لشعوبهم بدل هذا القنوط وتعذيب الذات وكل ما يُنتج الاحتراب والجنون!