تماماً كما تغرق القواربُ بأهلنا من المهاجرين القادمين من اليرموك، وإِخوته المدمَّرين، والمغادرين من عين الحلوة وأخوانها البائسين، تماماً يكادُ المركبُ الوطني يغرق في دهاليز السياسة، وخفايا الكواليس. قوارب المهاجرين تغرق بفعل جشع سماسرة التهجير المجبول بالمأساة، والدموع، والدماء والآهات. أما المركب الوطني فإنه يغرقُ بفعل الإصرار على تضييع البوصلة التي ركَّز إتجاهها الرمز ياسر عرفات والشيخ احمد ياسين، وبعد أن تم الانحراف عن اتجاه البوصلة هانت علينا عملية القسمة والانقسام، وأصبح الوطن سلعة وانهارت المقدسات، وأصبح الدم ماءً، وهانت علينا الكرامة، وبعد أن كـرَّم الرحمنُ الانسانَ وحصَّنه بالقِيم والمُثل والرحمة أصبح دمُه، ومالُه، وكرامتُه مشاعاً في غياب القانون، والتشريع، وحكم العشائر، فالرحمةُ على الماضي الجميل حيث كنا نجتمعُ حول بقايا محبة، وبقايا وفاء وأخلاص، وبقايا مخافة من الله. أمَّا اليوم فقد فقدنا تلك البقايا، وأصبحنا نحتكم إلى غياب الثقة، وإلى غياب المنطق السياسي، وإلى أدوات الاختلاف، وأصبحنا نحن والغريب على ابن العم، ونحن وابن العم على الأخ ابن الأب والام.
إدارة الظهر للحقائق أصبحت أمراً معيباً، ولم يعد حرصاً على ما تبقى، وأصبحت الرجولة تتجسد بالمواجهة والمصارحة، وفتح القنوات التي تعيد إلى الجسد الفلسطيني الغذاءَ، والتنفس، والدواء حتى نستطيع رؤية الحقيقة، وحتى نمتلك الجرأة بالمكاشفة لأنَّ الامر جدُّ خطير، ولأن المخاطر المحدقة أصبحت تشدُّ الخناق على عُنق الوطن، والوطن ملكُ الجميع، أيْ ملكُ أبنائه، وهو ليس مشاعاً للبيع والشراء.
من باب الأمانة الوطنية، ومن باب الوفاء للشهداء،والاخلاص للأحياء، فإننا وبكل محبة لأخوتنا في حماس لأن فيهم أقارب لنا وأصدقاء، ورفاق درب، ونحن أبناء وطن واحد شئنا أو أبينا، والعدو الاسرائيلي هو عدونا، وهو قاتلُ نسائنا، وشبابنا، وأطفالنا، وقياداتنا التاريخية. ولأننا كذلك سنتوجه بالعديد من الأسئلة لمزيد من المصارحة، وحتى نستطيع استعادة الثقة، وبناء ما تهدَّم:
أولاً: هل الانقلاب الذي حدث في 14/6/2007 كان خطأ وحدثاً عابراً رغم الخسائر البشرية، والأضرار السياسية، والمآسي الوطنية؟ أم أنه حلقة في سلسلة حلقات مما يؤيِّد الانقسام بكل تداعياته، ويستنزف الساحة الوطنية الفلسطينية كما هو حاصل حتى الآن؟؟
ثانياً: بعد كل ما سمعناه وعلى لسان مسؤولين سياسيين واعلاميين من حركة فتح ومن حركة حماس، ومن العديد من الفصائل، من حقنا ان نسأل: هل حركة حماس حسمت أمرها باتجاه الابقاء على الانقسام، وتعزيز فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية؟ وبالتالي اعتبار قطاع غزة دولة مستقلة لا علاقة لها بالدولة الفلسطينية التي عاصمتها القدس الشرقية والقائمة على حدود 4/6/1967؟ وهذا يعني طبعاً تدمير المشروع الوطني الفلسطيني، الذي أجمع عليه الشعب الفلسطيني؟ هذا السؤال في غاية الاهمية إذا أردنا ان نواصل كفاحنا ضد العدو الإسرائيلي، ولا بد من الإجابة الواضحة.
ثالثاً: من حقنا أن نسأل أخوتنا في حركة حماس، ومن موقع حرصنا على العمل الوطني الفلسطيني المشترك: ما حقيقة ما تناقلته وكالات الانباء، والقنوات الإعلامية من أن هناك اتفاقاً إقليمياً برعاية تركيا ينص على إقامة دويلة في غزة، ويترافق ذلك مع وجود ممر بحري يربط قطاع غزة بقبرص التركية، وحيث يتم تجهيز مرفأ في غزة، ومطار لاحقاً، إضافة إلى ذلك تقوم "إسرائيل" برفع الحصار تدريجياً عن قطاع غزة، وعن المعابر، إضافة إلى هدنة تبلغ خمس عشرة سنة، وبعض الاسئلة تطرح نفسها هنا وهي:
هل سيصبح القطاع دولة منفصلة عن الضفة؟ وبعد أن تملك حركة حماس المرفأ، والمطار، ويُرفع الحصار، وتُفتح المعابر، هل سيتوقف القتال ضد "إسرائيل" خلال فترة الهدنة القادمة وهي خمس عشرة سنة؟ وما هو مصير صواريخ المقاومة؟
رابعاً: وهنا نسأل فيما لو أصبح قطاع غزة دولة أو دويلة، أو سلطة، ألا يعني ذلك حالة تمرد على السلطة الوطنية التي وصلت حركة حماس وكل الفصائل إلى المجلس التشريعي من خلال أوسلو، ومن خلال السلطة العام 2006. واذا ما تم ذلك أين تصبح منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؟ وأين يصبح المشروع الوطني الفلسطيني الجامع لنضالات شعبنا الفلسطيني؟
وعندما تصبح دولة في قطاع غزة ماذا سيصبح مصيرً الضفة الغربية؟؟
هل يشك أخوتنا في حركة حماس في أنَّ ذلك سيكون بداية تدمير وتصفية القضية الفلسطينية، لأن الكيان الإسرائيلي سيقول للجميع ها هي الدولة الفلسطينية في قطاع غزة، والفلسطينيون الذين يريدون العودة إلى أرض الوطن فعليهم أن يعودوا إلى قطاع غزة، أما الضفة الغربية فهي بنظر الصهاينة أرض إسرائيلية وليست فلسطينية، والقدس الموحدة هي عاصمة "إسرائيل"، أما التجمعات الفلسطينية في الضفة فتكون في إطار كانتونات مُحاصَرة بدون أية سيادة، وهكذا يتم تصفية القضية الفلسطينية، وهذا يقودنا الى التساؤل وبجدية هل هناك توافق إقليمي بما في ذلك الكيان الاسرائيلي على ثلاث قضايا تؤسس لإقامة الدولة في غزة ، وهي صفقةً جديدة للأسرى ،ودولة في قطاع غزة ،ورفع الحصار عن القطاع؟؟
خامساً: لم يعد خافياً على أحد المعاملة السيئة والمبرمجة والموجَّهة لأعضاء حكومة الوفاق الوطني والتي واجهتها في قطاع غزة على مرأى ومسمع من وسائل الاعلام ، والفصائل الفلسطينية ،وموظفي الوزارات. فمنهم من ضُرب علناً ،ومنهم من مُنع حتى من زيارة أقاربه،وكلهم حُشروا في فندق واحد ، وتحت الرقابة الامنية المكثَّفة ، وممنوع عليهم مقابلة حتى مسؤولي الفصائل في غزة،ولا حتى الموظفين في الوزارات لحل المشاكل العالقة. علماً أن الوفد الوزاري جاء الى القطاع بعلم قيادة حماس وجميع الفصائل،وهم جاؤوا لمعالجة مشاكل الموظفين والرواتب استناداً إلى الخطة الموضوعة من قبل السويسريين والتي وافق عليها الجميع بدون استثناء . وبعد هذا الحصار لأعضاء الحكومة، وهذه المعاملة السيئة لتشويه شخصية الحكومة لم يكن أمام أعضاء الحكومة إلاَّ أن يعودوا ادراجهم الى الضفة الغربية. فلماذا يحصل كل ذلك؟هل هو لكسر الجرة؟ وانهاء آخر أمل بالمصالحة؟!!
سادساً: نحن نذكّر الاخوة في حركة حماس بأن تشكيل حكومة الوفاق الوطني كان بقرار تم الاتفاق عليه بإشراف أمير قطر والاخ خالد مشعل،والرئيس أبو مازن ،وعلى عاتق هذه الحكومة تقع مسؤولية إعادة الاعمار،واجراء الانتخابات،وتوحيد الوزارات، ومعالجة الملفات. والحكومة هي حكومة تكنوقراط ،وليست تابعة لأي تنظيم، وأعضاؤها ليسوا من أي تنظيم، وحركة حماس وحركة فتح وكافة الفصائل وافقت عليها، فلماذا الآن يجري التعامل مع الحكومة بهذه القسوة ،وبهذا الاستهتار، وبهدفٍ وحيدٍ هو منعهم من العودة إلى قطاع غزة مجدداً من أجل تكريس الانقسام نهائياً وبلا رجعة. واصبح واضحاً أن حركة حماس تريد الهيمنة على الحكومة وتسييرها ضمن خطتها، وإلاَّ فأنّ حكومة حماس في قطاع غزة هي صاحبة القرار،وهي تريد الحكمَ لها، أما الحكومة فليأخذها الرئيس ابو مازن.
نحن في حركة فتح نقول لاخوتنا في حركة حماس بأن المعركة الحقيقية ستكون في الضفة الغربية حيث الاستيطان، والتهويد، ومصادرة الاراضي، وتدمير البيوت، وتهجير الأهالي، وحرمانهم من حقوقهم وحريتهم. ونحن نعاهدكم، ونعاهد شهداءَنا ، واسرانا، وجرحانا، بأننا سنواصل مسيرة الكفاح الوطني، وسنعمل على مختلف الجبهات، ولن نتراجع عن مبادئنا، ولا عن قرارنا المستقل ، ولا عن تنفيذ حق العودة إلى أرضنا التاريخية.
نحن أطلقنا الطلقة الأولى في العام 1965، ونحن من إتكل على الله، ونحن من اقسم القسم، وعاهد العهد، ولن نتراجع، ولن ننظر الى الوراء، سنؤدي الامانة، ونكمل الرسالة ومعنا كل من آمن بالمشروع الوطني الفلسطيني، والنصر حليفنا بإذن الله.
المركب الفلسطيني قـاربَ على الغرق، فهـل من منقذ؟؟
03-05-2015
مشاهدة: 2160
الحاج رفعت شناعة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها