لم يكد نتنياهو يستفيق من فشل زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، التي القى فيها خطابا أمام الكونغرس قاطعه العديدون، وأحدث استنفارا لدى الإدارة الأميركية، وتخوفات لدى اللوبيات اليهودية في أميركا، وفجر غضبا داخل إسرائيل نفسها، حتى جاءته اللحظة الأقوى من المجلس المركزي الفلسطيني، الذي انهى أعمال دورته السابعة والعشرين في رام الله بقرارات شجاعة جدا، مدروسة بعناية فائقة، ومصاغة بأعلى درجات الصياغة الدقيقة الواضحة التي لا تحتمل التأويلات الأخرى، وهي قرارات كلها مهمة سواء وقف التنسيق الأمني بكل أشكاله مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ويحملها المسؤولية كاملة عن بقاء احتلالها وعدم تنفيذ التزاماتها المقررة في الاتفاق، أو القرارات المتعلقة بالمصالحة وتكريسها، وتمكين حكومة التوافق للقيام بكل صلاحياتها، والدعوة الصريحة الى الانتخابات بشرط موافقة رسمية من حماس وليس التصريحات الفردية التي يلغي بعضها بعضا، وفتح الطريق أمام إعادة إعمار غزة وتقديم أولوياته لتكون في المقدمة، وتوسيع رقعة المقاومة الشعبية ضد الاحتلال على امتداد الأرض الفلسطينية وحيثما وجد الفسطينون في العالم، ومواصلة الانضمام الى بقية المنظمات الدولية، واستمرار السعي للحصول على قرارات من مجلس الأمن للاعتراف بعضوية كاملة لدولة فلسطين، وتكريس قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بقضيتنا، وتحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال من كل أرضنا في حدود عام 1967 دون استثناء والقدس عاصمة لدولة فلسطين.
نتنياهو لعب طيلة السنوات الماضية على إحراق الوقت، والتهام الأرض، وفرض الواقع بالقوة، والهروب من القضية الفلسطينية الى قضايا اخرى مفتعلة، والآن قبل عشرة أيام من انطلاق الانتخابات الإسرائيلية الى أين يهرب؟ ها هي القضية الفلسطينية تحاصره وتقطع عليه الطريق، وعلى النخبة السياسية الإسرائيلية والرأي العام الإسرائيلي أن يرى الصورة كما هي وليس بالطريقة الوهمية التي يرسمها نتنياهو.
نتنياهو اعتاد أن يهرب من استحقاقات الشعب الفلسطيني الى تفسيرات وتداخلات الملف النووي الإيراني، لكنه كان فاشلا بامتياز فيه، ظنا انه يلم بهذا الملف أكثر من الدول الخمس زائد واحد التي تمسك به وتتفاوض مع ايران عليه، وهو ليس أكثر حرصا وليس اكثر فهما أو جدية، ولو انه جدي كما يزعم فكيف يتجاهل هو وأمثاله هذه القضية الكبرى، قضية فلسطين ويتلظى هاربا بقضايا ورهانات اخرى يشارك بعضها بعض من يراهنون على الأوهام، مثل وهم الدولة اليهودية ووهم الدولة ذات الحدود المؤقتة، فكلاهما ليست سوى افكار من نبع واحد.
المجلس المركزي بالإجماع طرح الأسئلة المدوية، وصعد مع الشعب الفلسطيني خطوة اخرى نحو الدولة، هذه الأسئلة لن يستطيع ان يهرب منها أحد، لا نتنياهو ولا النخبة السياسية الاسرائيلية ولا حتى بعض القوى الفلسطينية، ونحن الآن في حالة نضالية جديدة، فدعونا نرى من يصدق، ومن اختلط عليه الأمر، هل يعودون الى حضن الشرعية أم يواصلون الهروب؟