قضت احدى المحاكم الفيدرالية الاميركية بتغريم منظمة التحرير والسلطة الوطنية مبلغ 218 مليون دولار اميركي، كتعويض لاحد عشر عائلة اسرائيلية تحمل الجنسية الاميركية اضافة للاسرائيلية. وجاء ذلك في اعقاب التهم الـ 25 الموجهة لهما. وهذا التعويض وفق القضاء الاميركي يتضاعف لثلاثة اضعاف، اي يصل الى 654 مليون دولار. مع ان محكمة اميركية في واشنطن، اصدرت قبل اسبوع قرارا قضائيا، يؤكد، ان ليس من اختصاص المحاكم الاميركية البت بهكذا قضايا. غير ان قضاة محكمة نيويورك، واصلوا البت في القضايا، التي رفعتها العائللات "الاسراميركية". 
ترك قرار المحكمة النيويوركية صدى ايجابيا في اوساط القيادة الاسرائيلية، وهلل له كل من نتنياهو، رئيس الحكومة، وليبرمان، وزير الخارجية، وباقي الجوقة من الائتلاف الحاكم والمعارضة على حد سواء. حتى ان رئيس الائتلاف الحاكم تجرأ على القيادة الفلسطينية، ووصفها بـ"الدواعش"، ونسي تماما من هو، وماذا يمثل في عالم الارهاب الدولاني. 
بغض النظر عن ردود الفعل الاسرائيلية، التي تعتبر طبيعية، لانها وجدت ضالتها في حكم يتناقض وروح ومهنية القضاء النزيه والموضوعي. فان الضرورة تستدعي اثارة اكثر من مسالة امام القضاء الاميركي، الذي يفترض ان يكون قضاء محايدا ونزيها، لا سيما وان له ارثاً تاريخياً، ويشكل احد اعمدة الدولة الاميركية الفيدرالية. اولا اخطأت المحكمة بالنظر في القضايا والتهم المطروحة، لانها ليست من اختصاصها؛ ثانيا لم تربط بين التهم المثارة وطبيعة الصراع السياسي، الذي مضى عليه اكثر من قرن من الزمن؛ ثالثا لم تربط بين التهم المطروحة وجرائم الحرب الاسرائيلية، التي ترتكب على مدار الساعة ضد الشعب الفلسطيني؛ رابعا لم تحاول النظر في حجم وعدد الضحايا من الاطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين، الذين سقطوا على مدار عقود الصراع الطويلة نتاج عمليات القصف الجوي والبري والبحري لاسلحة الدمار الاسرائيلية؛ خامسا لم تتمكن المحكمة وقضاتها التمعن في تفاصيل المشهد الفلسطيني، لانها بتحميل المنظمة والسلطة المسؤولية، تكون سقطت في المتاهة الاسرائيلية، التي سعت على مدار عقود الصراع بالخلط بين المؤسسة الرسمية وفصائل العمل الفلسطينية المختلفة، التي لا تلتزم بقرارات القيادة. وهذا ليس هو الامر الرئيسي، بل الامر الثانوي من المحاججة. 
في نطاق الاعتراض على القرار القضائي الاميركي، يمكن ادراج عملية اغتيال المناضلة الاممية راشيل كوري، حاملة الجنسية الاميركية، التي داستها جرافات جيش الاحتلال الاسرائيلي، وهي واقفة تدافع عن اطفال رفح في قطاع غزة، ولم تفعل شيئا سوى دفاعها عن مصالح الفلسطينيين في مواجهة همجية المحتل الاسرائيلي، وهناك آلاف الجرائم الاسرائيلية ضد المتضامنين الامميين والمناضلين الفلسطينيين والمواطنين العزل، الذين تنتهك حرماتهم صباح مساء، وتصادر وتهود اراضيهم، وتقام المستعمرات على انقاضها لحساب قطعان المستعمرين الصهاينة. 
محكمة نيويورك الفيدرالية جانبت الصواب، واساءت لمهنية القضاء، وادخلت القضاء الاميركي في دوامة لن تحمد عقباها، لان القيادة والشعب الفلسطيني واصدقاءهم الاميركيين والامميين سيلاحقون دولة وقادة اسرائيل في اميركا واوروبا ومحكمة الجنايات الدولية وفي كل منبر متاح. وجرائم دولة الارهاب المنظم الاسرائيلية لا تعد ولا تحصى. وان خضع قضاة المحكمة لابتزاز معين او تساوقوا مع الرؤية الاسرائيلية من حيث يدرون او لا يدرون، فانهم اوقعوا انفسهم في شر اعمالهم، وسيسجل تاريخ القضاء الاميركي على نفسه نقطة سوداء نتاج تلك المحاكمة غير الموضوعية. مع ذلك لا يجوز لاي فلسطيني ان يفقد الثقة بالقضاء الاميركي، الذي بالضرورة سيعيد الاعتبار للمنظمة والسلطة والقيادة الفلسطينية من خلال نقض الاحكام الجائرة والمتناقضة مع عدالة القضية الفلسطينية وحقوق ومصالح الشعب العليا. والنتيجة هي لمن يضحك اخيرا يا نتنياهو وليبرمان وبينيت واريئيل واضرابكم، لانكم كنتم وما زلتم النموذج الحقيقي لكل مظاهر ومنظمات التكفير والارهاب، اياً كانت اسماؤها وعناوينها وخلفياتها السياسية او الدينية.