عشية انتفاضة كانون الاول 1987 قبل خمسة وعشرين عاما، كان النظام العربي الرسمي يسعى لتهميش القضية الفلسطينية، وسحب البساط من تحت ارجل قيادة منظمة التحرير. وتجلى ذلك في البيان الختامي لقمة عمان العربية في 8 تشرين الثاني 1987. غير ان الانتفاضة المجيدة قلبت الامور رأسا على عقب على كل المستويات. واحدثت تحولا نوعيا في مسار الكفاح الوطني لجهة اعادة الاعتبار للقضية الوطنية، وارغمت اهل النظام العربي على عقد قمة جديدة في حزيران 1988 في الجزائر، وتهافت العرب على كسب ود القيادة والشعب، وتقديم الدعم المالي والسياسي وغيره. كما انها (الانتفاضة) اسهمت في تحول الرأي العام الدولي لصالح القضية الفلسطينية، وعاظمت من الدعم للاهداف الوطنية، والشيء بالشيء يذكر، احدثت تحولا في الشارع الاسرائيلي لصالح الكفاح الفلسطيني، وارتفاع نسبة المؤيدين لاستقلال الشعب الفلسطيني في دولته على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وهو ما التقطته القيادة باصدارها اعلان وثيقة الاستقلال في الـ 15 من تشرين الثاني 1988. فضلا عن انها (الانتفاضة) نقلت مركز القرار للداخل الفلسطيني، واحدثت تناغما بين مركزي القرار في الخارج والداخل، الى ان انتقل كليا الى الداخل، وتحرر من قيود النظام الرسمي العربي.
وساهمت الانتفاضة ? ثورة كانون 1987-1993 بتطوير اشكال النضال الوطني، حيث امسى النضال الشعبي السلمي، شكلا رئيسيا للنضال. وتعززت عوامل الوحدة السياسية والميدانية بين فصائل منظمة التحرير على مدار سنوات الانتفاضة العظيمة عبر إطار القيادة الوطنية الموحدة. الاستثناء الشاذ آنذاك على هذا الصعيد، تمثل في خروج حركة حماس عن الاجماع الوطني. ولكنها لم تتمكن من الاضرار كثيرا في مسيرة الشراكة السياسية والكفاحية لقوى الشعب الحية.
لانتفاضة الحجارة الشعبية إسهامات كبيرة في مسيرة النضال الوطني التحرري، المجال لا يسمح لايرادها وابرازها جميعا، منها على سبيل المثال: التكافل المناطقي، والتعليم الشعبي، وارتقاء دور المرأة لمستويات نوعية في عملية النضال الوطني، والاقتصاد البيتي... الخ
غير ان التجربة العظيمة للانتفاضة لم يستفد منها كما يجب. لان التكتيك، الذي اتبعته القيادة، كان تكتيكا ضعيفا، ولم يرق لعطاء الشعب وطموحاته حينئذ. حيث كان بامكانها ان تحقق هدف الحرية والاستقلال وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194. وانزلقت بالنضال الوطني الى متاهة اوسلو، التي نعيش تبعاتها منذ خمسة وعشرين عاما خلت.
مما لا شك فيه، ان حرب الخليج الثانية قصمت ظهر الانتفاضة والانجازات الوطنية، لانها احدثت شرخا عاموديا وافقيا في النظام الرسمي العربي. ما ترك آثارا سلبية ومجحفة بحق النضال الوطني. وأمكن الولايات المتحدة من استعادة زمام الامور بشكل غير مسبوق، واتاح لها إدارة العملية السياسية وفق مشيئتها ومشيئة ربيبتها إسرائيل.
العبرة التي يمكن استحضارها في ذكرى الانتفاضة ال 25، التخلص من تبعات اوسلو، ولعل الحصول قبل ايام على عضوية دولة مراقب لفلسطين في الامم المتحدة يمهد الطريق لهذا الامر. والاندفاع نحو الوحدة الوطنية لاعادة الاعتبار لها من خلال طي صفحة الانقلاب الاسود في محافظات الجنوب. ويمكن اعتبار كلمة خالد مشعل في غزة بذكرى انطلاقة حماس الـ 25 ايضا، تضيف بعدا ايجابيا لما تم التوافق بشأنه بين القوى المختلفة (ورقة المصالحة المصرية واعلان الدوحة). والحرص في مواجهة التحديات الاسرائيلية والاميركية على الحرص على التنسيق مع الكل العربي بما يحمي المصالح الوطنية؛ ولكن دون ترك الحبل على الغارب للسياسات العربية غير الايجابية، وتذكير العرب الرسميين، ان القضية الفلسطينية شاءوا ام ابوا، هي قضية العرب المركزية، وان بامكان الشارع الفلسطيني اللجوء الى الانتفاضة مجددا في حال استشعر التواطؤ على مصالحه واهدافه الوطنية. والتحذير يطال اسرائيل واميركا والعالم برمته.
في ذكرى الانتفاضة، على العالم ان يتذكر ان الشعب الفلسطيني قادر على استعادة زمام المبادرة، ولن يترك مصيره للمجهول في يد قادة اسرائيل المدعومين من قبل الولايات المتحدة الاميركية وتساوق العرب الرسميين معها. فهل يتعقل الحكماء من اهل السياسة في اسرائيل واميركا واوروبا والعالم العربي وينصفون الشعب الفلسطيني بمنحه حقوقه المعلنة لتطوي شعوب المنطقة صفحة سوداء من الصراع الدامي؟
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها