خاص - مجلة القدس كان النصرُ في الجمعية العامة حاسماً ومميزاً لأنَّ فلسطين بكل مكوِّناتها انتصرت، والولايات المتحدة بكل تحالفاتها وإنذاراتها انكسرت، ودول العالم الحر المؤمنة بالحرية والاستقلال تفوَّقت ونجحت، وهكذا شهادة ميلاد دولتنا وُلدت. ولذلك، نحن هنا في الأمم المتحدة، في الضفة وغزة ،في القدس ولبنان، وفي كل مكان أصبح لنا عنوان .
إبتداء من صباح يوم الجمعة أصبح للشعب الفلسطيني دولة فلسطين تحت الاحتلال باعتراف ( 138) دولة، واعتراض تسع دول، إِنه انتصار ساحق بكل المعايير السياسية والقانونية والدبلوماسية، وفي المقدمة المعايير الوطنية، فهذا النصر هو تتويج لكفاح متواصل، ومعاناة بدأت ولمَّا تنتهِ بعد.
الرئيس أبو مازن هو رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمؤتمن على ثوابت شعبنا، وهو اليوم أيضاً رئيس دولة فلسطين الدولة رقم 194 في الأمم المتحدة، وهي آخر دولة في العالم محكومٌ عليها أن تبقى تحت الاحتلال من الولايات المتحدة وأداتها العنصرية ( إِسرائيل ) التي صُنعت من أجل الحرب والعدوان والقتل والتدمير. ورغم كابوس الاحتلال فشعبنا قادر على أن يتنفس نسائم الحرية، وأن يصنع مستقبله بنفسه، وأن ينتزع الاستقلال من بين براثن وأنياب الاحتلال، وأن يخوض معركة التغيير والتطوير.
عاد الرئيس أبو مازن إلى أرض الوطن المحتل ، ارض الدولة الفلسطينية المحتلة ، وسيخاطب القائد الشهيد الرمز ياسر عرفات قائلاً: لقد أكملنا رسالتك ، وحمينا ثوابتَك، وجسَّدنا على أرض الواقع دولتك، فنم قرير العين ياسر عرفات لأنَّ الدولة الفلسطينية المستقلة أصبحت على مرمى حجر ، والحجر مقدَّسٌ في فلسفة الثورة.
عاد الرئيس أبو مازن من أرض المعركة الدبلوماسية منتصراً ،حاملاً إلى شعبه المكافح شهادةَ ميلاد دولة فلسطين رغم أنف الاحتلال، ورغم أنف نتنياهو وفريقه العنصري الإجرامي صاحب التاريخ الأسود.
حطّ الرئيسُ رحاله في أرض المقاطعة وعينه على المصالحة، وصل إلى رام الله ومئات الآلاف ينتظرون ويحتفلون، ويرفعون الرايات والأعلام، أما الرئيس أبو مازن فعقله مشغولٌ بالأحياء الغائبين الحاضرين الشهداء والأسرى واللاجئين، وهؤلاء تركوا عندنا الأمانة، والأمانة أشفقت منها الجبال، ولكنَّ الرئيس أبو مازن سيحملها ومعه شعبه شعب الجبارين.
الوصول إلى العضوية في الجمعية العمومية لم يكن سهلاً، ولا هو قفزةٌ في الهواء كما يظن البعض، إِنه جهدٌ سياسي ودبلوماسي موجَّهٌ ومدروسٌ، ويقوم على حسن استثمار المواقف، واغتنام اللحظات المناسبة قبل أن تنتهي ويُسدل الستار، ولا شك أن الرئيس أبو مازن رئيس الشرعية الفلسطينية أبلى بلاءً مميزاً وأزال الكثير من العقبات التي كانت تعيق عمليةَ الحصول على العضوية وخاصة المرحلة الأخيرة وقد برز ذلك من خلال الخطوات التالية:
أولاً: الرئيس لم يهمل الانتصار السياسي والإعلامي الذي حصل عليه خطابه المؤثِّر العام الماضي وطلب العضوية الكاملة الذي قدمه إلى مجلس الأمن واعترضت عليه أمريكا مستفيدة من حقها في الاعتراض .
ثانياً: ظل متمسكاً بأدائه السياسي المعروف، وهو عدم العودة إلى المفاوضات إلاً إذا كانت تستند إلى قرارات الشرعية الدولية ، ووقف الاستيطان . كما أنه كان باستمرار يركز على المقاومة الشعبية السلمية .
ثالثاً: كان يركز باستمرار على ضرورة إنهاء الانقسام، وعقد المصالحة الفلسطينية، والتعامل مع قطاع غزة رغم الانقسام على أنه جزء لا يتجزأ من أرض الوطن الواحد. وكان يُصر على تقديم الخدمات والموازنات إلى القطاع اكثر مما يقدم للضفة الغربية . وهذا موقف لا غبار عليه، ولم يكن ينتظر الشكر من أحد .
رابعاً: كان يحافظ على العلاقات مع الجامعة العربية، يطلب منها العمل المشترك، والدعم الدبلوماسي، والمواقف السياسية وشبكة الأمان المالية رغم أنها كانت متعثرة دائماً لكنه لم ييأس حتى عندما دعا إلى عقد قمة عربية طارئة لمناقشة العدوان على قطاع غزة كان يهدف إلى وضع الجامعة أمام مسؤولياتها، ورغم الموقف السلبي لم يتصرف بردة فعل، وإنما بصدر رحب، لأَنَّ هناك حاجة فلسطينية مُلحَّة إلى الموقف العربي، فالرئيس أبو مازن لا يريد أن يضع القضية الفلسطينية في يد هذا المحور أو ذاك، أو في يد هذه الدولة أو تلك، فالقضية الفلسطينية هي القضية المركزية وتنتظرُ الأمةَ العربية بكاملها من أجل تحمُّلها بكل مكوِّناتها.
خامساً: الرئيس أبو مازن قدَّم الغطاء السياسي لمقاومة الاحتلال في قطاع غزة، وبسببب ذلك تحققت الوحدة الميدانية بين كافة الفصائل وأجنحتها العسكرية بما في ذلك حركة فتح. كما أنه أعطى التعليمات لمختلف الوزارات بأن تقدم الدعم الكامل لمحافظات جنوب الدولة الفلسطينية، وهي المحافظات الواقعة في قطاع غزة، فكان الدعم الطبي بطواقم الأطباء والأدوية واستنفار جهاز الدفاع المدني كاملاً.
سادساً: أعطى الرئيس تعليماته بالتضامن ما بين الضفة والقطاع ، وتمت الترجمة الميدانية لهذا التضامن من خلال المظاهرات التي شارك فيها الكلُّ الوطني الفلسطيني في مختلف المحافظات حيث وقعت الاشتباكات مع جنود الاحتلال واستُشهد من استشهد، وجُرِحَ من جُرح. وصُدمت الحكومة الإسرائيلية وجيشها العدواني من هذه الوحدة الوطنية القائمة على أرض الواقع . وبذلك كان الرئيس يقود من موقعه عملية وقف العدوان الإسرائيلي .
سابعاً: ركَّز الرئيس على التواصل مع الأمم المتحدة، ومع الجامعة العربية ، ومع الأطراف الفاعلة في عملية الحوار القائمة في القاهرة. كما أن التواصل لم يتوقف مع قيادات الفصائل وخاصة حركة حماس ، وحركة الجهاد، وفصائل "م.ت.ف". وقد أرسل مندوباً شخصياً للمشاركة في الحوارات وهو الأخ نبيل شعث الذي ركَّز على الحوارات مع حركتي حماس والجهاد وبشكل خاص لوضع ركائز سليمة للمصالحة الفلسطينية بعد اندحار العدو الاسرائيلي، وتوقف العدوان، وهذا ما كان له التأثير الواسع على مواقف كافة الفصائل الفلسطينية باتجاه ذهاب الرئيس إلى الجمعية العامة وطلب العضوية لدولة فلسطين، وجاءت تصريحات هذه الفصائل برمتها إيجابية تماماً، ومساندةً لخطوة الرئيس في الجمعية العمومية. وبذلك تحقق الإنجاز الفلسطيني الضمني من خلال الموقف السياسي الموحَّد والذي شكَّل دعامة أساسية لنجاح التصويت، فالرئيس يمثِّل الفصائل الفلسطينية بكاملها، والشعب الفلسطيني خرج في الداخل والشتات، في المدن والقرى والمخيمات دعماً وتضامناً مع طلب العضوية لدولة فلسطين، هذا المشهد الوطني الفلسطيني الشامل وضع العالم بأسره أمام الحقيقة الواضحة التي لابد منها، وهي الموافقة على إنصاف الشعب الفلسطيني اللاجئ منذ 1948، والمحتلة أرضه حتى الآن، وكان من حق الرئيس أن يسأل العالم في كلمته وبجرأة: هل أصبح الشعب الفلسطيني فائضاً عن حاجة العالم ؟؟!!
أدركت دول العالم مدى الظلم اللاحق بفلسطين أرضاً وشعباً منذ خمسة وستين عاماً، وفلسطين هي الوحيدة التي مازالت محتلة في العالم كله، وهذا آخر احتلال، هذا الظلم التاريخي هو سبب التحيُز الأميركي الكامل إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي العنصري. إِن نجاح التصويت على منح دولة فلسطين عضوية مراقب في الأمم المتحدة بأغلبية(138) عضواً مقابل (9) أعضاء عارضوا القرار، هذا النجاح هو رسالة بشقين:
أ- هي رسالة إلى الولايات المتحدة بأنه إذا كانت هي مصرَّة على التضحية بمصالحها الدولية مع العرب والمسلمين والاحرار في العالم من اجل خدمة الاحتلال الإسرائيلي الإجرامي فإِنَّ العالم ليس مستعداً أن يضحي بمبادئ الحرية والعدالة والاستقلال للدفاع عن الباطل الإسرائيلي. وعسى أن تكون هذه رسالة إلى الشعب الأميركي، وأن يختار بين الكيان الإسرائيلي وعدوانه وجرائمه، وبين الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال ، والذي يدفع ثمن هذه العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي .
ب- أيضاً هذا النصر المؤزر في الجمعية العمومية رسالة موجهة إلى الشعب الفلسطيني وتقول: نحن معكم، ولكن كونوا مع قضيتكم ، توحَّدوا ، وأَنهوا الانقسام القائم بينكم، إحفظوا قضيتكم من العبث، وقدِّموا الصورة المشرِّفة لأنَّ أرضكم مقدَّسة، ولأن شعبكم شعبُ التضحيات، ولأن تاريخكم كتبتموه بدماء الشهداء، وبالتالي كونوا أفضل محامين لأعدل قضية ، فالآن أصبح لديكم دولة .
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها