اتفاق مخيم الشاطئ في الثالث والعشرين من نيسان هذه السنة للبدء في تنفيذ اتفاق المصالحة الذي جرى التوقيع عليه في الرابع من ايار 2011، وأعقبه اعلان الدوحة في الخامس من شباط 2012 لم تلتزم به حركة حماس ولو بنسبة واحد في الألف، فحماس لم تسمح لحكومة التوافق الوطني بممارسة صلاحياتها, مع ان ممارسة هذه الصلاحيات مرتبطة أشد الإرتباط بعملية إعادة الإعمار لما خلفته الحرب الأخيرة من دمار تفوق كل التوقعات، كما ان حماس ظلت تماطل من خلال منطق مقلوب في الموضوع الأمني بكل اجهزته وآلياته، وأكثر من ذلك فإن حماس تبرعت بالمجان بما اعتبرته اسرائيل ذريعة لشن هذه الحرب، حيث قامت حماس باختطاف الشبان الإسرائيليين الثلاثة في الثاني عشر من حزيران وقتلهم ثم الاعتراف المجاني في نهاية الحرب بأنها هي التي فعلت ذلك، الأمر الذي يثير آلاف الأسئلة.
ولكن المأزق الذي تعاني منه حماس هو أكثر من ذلك بكثير, فهي متمزقة حول هويتها، هل هي جزء من النظام السياسي الفلسطيني حتى ولو كان فيه نواقص أم عدوة لهذا النظام السياسي الفلسطيني على المكشوف؟
ومعروف ان كل المحاولات التي جرت مع حماس منذ انشائها في نهاية عام 1987 – في الانتفاضة الأولى، لم تصل خلالها الى شيء من الاتفاق الحقيقي، فهي دائما ضد النظام السياسي، ضد الشرعية الفلسطينية، ضد وحدانية التمثيل لمنظمة التحرير الفلسطينية، ضد مفهوم الحرب والسلم الفلسطيني، وهكذا حدثت خطيئة الانقسام والانقلاب العسكري في الرابع عشر من حزيران 2007، لأن حماس سمح لها ان تدخل الانتخابات دون الاعتراف بأية مرجعية، وسلمت لها الحكومة بعد انتخابات 2006 ولم تتمكن من ان تجد لها شريكا لأنها رفضت الاعتراف بوحدانية التمثيل للمنظمة، ورفضت الاعتراف بالمشروع الوطني الذي توافق عليه الكل الوطني، وبعد تجربتها الفاشلة في تشكيل حكومة منفردة، عادت حماس عبر اتفاق مكة لترأس حكومة وحدة وطنية, ولكنها بعد شهور قليلة انقلبت على حكومة الوحدة، ووقع الانقسام الذي ما زال مستمرا حتى الآن, أي أن حماس انقلبت بقوة السلاح على الحكومة التي كانت ترأسها، وكلنا نعلم أن حماس تلقت في ذلك الوقت وعودا كثيرة من دول وحكومات واجهزة بأنها ستحصل على الشرعية العربية والإسلامية والدولية إن هي نفذت الانقلاب, وحين وقع الانقسام اكتشفت أن من وعدوها كانوا أصغر ألف مرة من الوفاء بوعودهم، فقد كانوا هم انفسهم أدوات رخيصة في لعبة جهنمية.
ولأن اتفاق الشاطئ, إن صحت تسميته اتفاقا, كان عبارة عن نوايا غامضة فإن حماس لم تصمد طويلا إذ سرعان ما انكشفت في عملية الاختطاف في الثاني عشر من حزيران، وتصاعد مسلسل الانكشاف حتى وصلنا الى تفجيرات غزة التي جاء توقيتها مع تصعيد الهجمة الاسرائيلية ضد القدس والاقصى.
ومن المؤسف أن الكلام الذي قالته حماس بشكل مباشر أو موارب عن تلك التفجيرات يثير اكبر قدر من الشكوك فقد سربت حماس أن من قام بتلك التفجيرات هي "داعش" أي أن العذر اقبح الف مرة من الذنب, ومحاولة الهروب من الاتهام أوقعتها في خطيئة اتهام الشعب كله وكأنه لا يكفيه ما يلاقيه من دمار وحصار وعدوان إسرائيلي مستمر.
ثم عادت حماس لتروج أن التفجيرات ربما تكون من اطراف داخلية فلسطينية أو أطراف فتحاوية، ثم وصل الأمر ببعض قيادات حماس أن يبرروا هذا الانفلات بأنه شعبي ناتج عن عدم قيام حكومة التوافق تنفيذ التزماته المالية.
التفجيرات في معناها البسيط الذي لا يحتاج الى تأويلات هو ان حماس تخرج من الاتجاه الوطني, وتخرج من الاشتباك الوطني ضد الاحتلال اجل انهاء هذا الاحتلال, وتذهب الى الاشتباك ضد الكل الوطني في لحظات صعودنا الى مجلس الأمن والى المنظمات الدولية والى الاعترافات المتلاحقة بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس, وتتساوق باتفاق أو تفاهمات دون اتفاق مع السلوك الإسرائيلي الذي يريد أن يقلب الطاولة بالكامل وتتنصل من كل شيء.
السؤال الكبير والملح هو: هل يمكن التشبث بالمصالحة على نفس الأسس الرخوة والغامضة السابقة التي توصلنا كل مرة الى الخذلان في اللحظة الحرجة, والى استدراج العنف الإسرائيلي تحت غطاء رخيص، وإلى إثارة إشكالات جديدة حول وحدة الشعب الفلسطيني،ام ان المراجعة هذه المرة يجب أن تكون شاملة وواضحة جدا, دون ترك أي كلمة أو أي حيز للنوايا السائبة, او التلاعب بالكلمات, والابتزاز المفرط كما حدث في حكاية موظفي حكومة حماس الذين لا يعرف احد من هم على وجه الدقة؟ ومن هم العسكريون، فكيف تكون هذه الوحدة لسلطة واحدة, ودولة واحدة، حين يكون في جوفها دولة اخرى كاملة الأركان والعدة والعتاد دون ان تعترف بالشرعية الوطنية؟
حركة حماس استسهلت الابتزاز لأنها تأخذ ولا تعطي شيئا، ألم تشارك في الانتخابات دون الالتزام بأي شيء؟ ألم تقف ضد شعبها معادية لوحدانية التمثيل بينما العالم كله يتقدم للاعتراف بوحدانية التمثيل الفلسطيني؟
المراجعة يجب ان تكون واسعة وصريحة وشجاعة, والحقائق يجب أن تكون مكشوفة, وحماس ليس لها سوى خيار وحيد, إما ان تكون جزءا من الشرعية الفلسطينية أو أن تكون خارج هذه الشرعية, وقطاع غزة لن يكون رهينة من جديد.