تتسارع الخطا نحو تقرير المصير الفلسطيني، العالق في عنق زجاجةٍ، بدأ ينفذ بها بعضاً من أوكسجين الحياة، رغم الضباب الذي يلف المجالس الدولية والإقليمية .
في الوطن تتراكم  اليهوديات وأسرلة المكان والحياة في الضفة الغربية وخاصة ًفي القدس، والممارسات العنصرية والعدوانية، فرضا  لواقعٍ مزيف، من فصلٍ زماني في المسجد الأقصى ، مقدمةً لتحويله إلى فصلٍ مكاني، كما وضع الحرم الإبراهيمي في الخليل، ومن ترانسفير ضمن قوانين المؤسسة الإسرائيلية، إلى تهيئة هياكل قبورهم الوهمية، تجهيزاً لإقحامها التاريخ عبر إيهام السائح بأقدميتها.
وإلى تدمير البنى التحتية في قطاع غزة، لتمرير أجندات الاحتلال الإسرائيلي السياسية، ومن أجل تنفيذ بقية مخططاته المتفق على وضعها قيد التنفيذ، لإحباط إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الموعودة.
وفي الشتات تمتد أطراف الأخطبوط المعادي للشعب الفلسطيني حيث تعد خطة لاغتيال قضية اللاجئين الفلسطينيين تفضحها كل المؤشرات لذلك .
فها هم اللاجئون الفلسطينيون من سوريا تلفظهم دول الجوار بطرق وأشكالٍ عديدة، هذه الدول التي من المفترض أن تكون الأجدر باحتضانهم وإغاثتهم كدول عربية عاشت همَّ قضيتهم منذ ولادتها، لكن كل الظروف التي تـُعـَدُّ لهم، تهيئ الجميع للاعتراف بأن الفلسطيني لم يعد له ذلك البعد العربي والإسلامي، سيراً على درب الشرق الأوسط الجديد ، واستكمالاً لإنهاء مسألتهم الوطنية بشكلٍ يليق بمرحلة الخضوع العربية العامة.
إن الظروف القاسية واللاإنسانية، التي يتعرض لها اللاجئ الفلسطيني المهجر من سوريا  إلى دول الجوار ، لـَتُجبره على المضي بمساراتٍ خارجة عن إرادته، فالمسؤول القانوني الأول عنهم وهو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ، تتخلى عنهم بطريقة تقليص خدماته التي انتهجها كل فترةٍ من الزمن، بدءاً من سوريا قبل أزمتها ، مرورا بالضفة والقطاع، انتهاءً بلبنان كمقيمين ومهجرين اليه حالياً ، كي يتخلى عن مسؤوليته التاريخية التي شُكّل لأجلها عام 1948 إبان نكبة فلسطين .
فما كانت ردة الفعل المفعمة بالطبيعة البشرية للحفاظ على الذات والبحث عن الملاذ الآمن، إلا أن يغامر اللاجئ الفلسطيني بحياته من أجل الوصول لذلك البر في العالم، منقذاً عائلته، في ظل فقد الأمل بالعودة إلى فلسطين حالياً، رغم تأكيده الدائم على وطنيته وانتمائه لأيقونة المحبة الخالصة لوطنه الأم، ويستمر هذا التحرك، رغم تسجيل مشاهدات المقابر الجماعية التي أسست هياكل موتاهم في قاع البحر البعيد، فيعبرون يحدوهم الأمل بالوصول إلى شاطئٍ مسالم ٍ ، فوق جثث رفاق دربهم وأحبابهم  الغارقين في قاع الزمن المنسي، حيث لم يتحرك الموقف الرسمي حتى الآن من أجل إيجاد الحل الأنسب والأسلم والأسرع  لقضيتهم المعقدة، والتي تصدح بالعجز عن إغاثتهم في دول لجوئهم العربي المجاور، والتي تمنع إرساء حل أزمتهم فوق الأراضي السورية، لمن بقي هناك،  فكل المناطق السورية المشتعلة تنهض نحو المصالحة والتهدئة إلا تجمعات هؤلاء اللاجئين من مخيماتٍ وأماكن إيواء تستعصي على الحل.
فمـِن مصلحة مـَنْ استمرار الاشتباكات بين طرفي الصراع السوري في المخيمات الفلسطينية، والاستمرار بقصفها، وحصارها ومنع أدنى مقومات الحياة عنها من غذاء وماء ودواء.
وتبقى مخيمات خان الشيح وخان دنون وحندرات ودرعا واليرموك في دائرة الصراع تعاني، لتستنزف كامل أنفاسها وفلذات أكبادها.
لمَ لا تفتح الأبواب للحل وللتسويات التي صمَّت آذانهم كل صباح ومساء، دون تطبيق على الأرض؛ رغم وجود حلول قابلة للتنفيذ، وقد طرح العديد منها ؛ هل هي المحاولة الأخيرة لتركيع الفلسطيني  واستسلامه لهوى الهجرة القسرية نحو آلاف الأميال الباردة، وتفريغ الجوار من روح الثورة والثقافة الحضارية الفلسطينية، ومن أجل وأد حق العودة إلى فلسطين التاريخية.
الخطير هنا والمفارقة المـُـرَّة والصعبة في آنٍ معاً، أن الخطى الأخيرة التي يحثــُّها اللاجئ الفلسطيني من سوريا والتي بدأ يشاركه بها الفلسطيني المقيم في لبنان وحتى في غزة بعد الحرب الأخيرة، في حالة فصامٍ إجبارية تقوده مرغماً نحو اندثار كينونته السياسية والمواطنية وليست الوطنية، ستكون المسمار الأسود الذي يدق في نعش حقه المشروع في العودة لفلسطين التاريخية، حيث أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين تعتبر قانونياً غير مسؤولة عن أولئك اللاجئين خارج أماكن تواجد عملها، أي المناطق التي يهاجرون اليها، بالإضافة إلى المحاولات الإسرائيلية الأخيرة لشطب قرار 194، ضمن الحلول المطروحة لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وإقحام ما يسمى قضية اللاجئين اليهود من الدول العربية، من أجل التسويف والإخضاع والتنازلات والإجبار للسير في مساراتٍ صعبة للغاية.
بالإضافة إلى حل التوطين المطروح على الطاولة، والدولة المسخ في غزة، والحكم الذاتي المبتور في الضفة .
في الميدان سياسات تتسابق بين تثبيت حقٍ فلسطينيٍ  يجب دعمه لكي يبقى قوياً، وخاصةً على الجبهة الداخلية ، وبين فرض باطلٍ احتلاليٍّ إسرائيلي  يتنامى بقوة واقعٍ خـُطـِّط له مسبقاً، ويجد عشرات الأيدي المـُنـَفـِّذة دولياً ، بالإضافة إلى ذوي القربى الذين رموا بأنفسهم إلى التهلكة وجعلوها برسم يد ٍ تحركهم فوق رقعة شطرنجٍ لفظتهم لتشكل تقوقعهم ، في دول ملوك للطوائف مرةً أخرى ستشمل باقي الدول العربية قريباً، كما تشير الأحداث الأخيرة ، كعهد آخر احتضار الأندلس، الذي حول حضارتها هباءً منثورا؛ لهدف ترسيخ سيادة إسرائيل دولة ً قويةً في المنطقة.
ورغم كل الظلام المحيط ،يستمر النضال الفلسطيني ليطاول عنان السماء، متجسداً في التوجه الفلسطيني لمجلس الأمن، من أجل إعلان الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي  ويشتعل الأمل عندما تجد طواقم العمل للإستشارة والتخطيط الملازمة للقيادة الفلسطينية، والتي تشكل خلية أزمةٍ لا تهدأ ، تلتقط ومضات المواقف السياسية الدولية، وتقتنص الفرص من أجل تحقيق إنجازات تاريخية مـُشَـرِّفة للوجود الفلسطيني .
تراهن القيادة الفلسطينية ومن خلفها ذلك الشعب العظيم، على التغييرات في هيئة مجلس الأمن، التي ستحصل قبل نهاية العام الحالي والتي ستـُضعـِف إسرائيل ، مما سيؤدي إلى  زعزعة الدعم لها على الجبهة الدبلوماسية، لذلك فإن التوجه الفلسطيني إلى مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال سيشكل الضربة القاضية لرأس الأخطبوط الاستيطاني والاحتلالي الصهيوني .
ولابد أن يكون لقضية اللاجئين حل عادل ينهي مأساتهم الممتدة حتى الآن ، فبلادهم أحق بهم من كل البلدان ، ودولتهم المستقلة هي الأجدر بإعادة وحفظ كرامتهم المهدورة على كل الحدود.
إنها المعركة الأخيرة، التي يستخدم فيها أعداء الشعب الفلسطيني باقي الأوراق، وفي كل الساحات، لذلك نجد جميع عناصر القضية الفلسطينية تتلقى ضربات العدو العسكرية والسياسية والدبلوماسية ، وما زادتها إلا صموداً؛ لكن التجربة الفلسطينية والمراس النضالي لشعب الجبارين، شكـَّـلَ الدرع المضاد لها، والأيام القادمة القليلة ستبرهن مدى قوة الموقف الفلسطيني المسؤول، الذي لم ولن يتنازل عن الحق الفلسطيني المشروع، وسيعترف المتخاذلون وأصحاب المواقف الهلامية بأن الرجال الأوائل للثورة الفلسطينية لم ولن ينهوا حياتهم بخيانةٍ أبدا.