المتتبع للحراك السياسي تجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، يلحظ تقدما ملموسا على مستويين، الاول على المستوى الداخلي للدول؛ الثاني على المستوى الجمعي الاوروبي. وهو ما ستتم معالجته هنا، والمتمثل بالوثيقة الاوروبية الاخيرة الموجهة للحكومة الاسرائيلية وخطوطها الحمر. 
انطلاقا من شعور الاتحاد الاوروبي بالمسؤولية تجاه عملية السلام على المسار الفلسطيني الاسرائيلي، وحماية خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، صاغت دول الاتحاد الاوروبي وثيقة سياسية جديدة موجهة لحكومة بنيامين نتنياهو، بعد شعور دول الاتحاد بان سياسات اسرائيل الاستيطانية وانتهاكاتها الخطيرة للمصالح الوطنية الفلسطينية على اكثر من مستوى وصعيد، تغلق ابواب التسوية السياسية، وتدفع المنطقة نحو دوامة الفوضى والعنف، وتهديد السلم الاقليمي والعالمي. 
الخطوط الحمر الاوروبية، التي طالبت دولة التطهير العرقي الاسرائيلية عدم تجاوزها وإلا ستلجأ لاتخاذ خطوات عقابية جديدة ضدها، هي اولا عدم البناء في مستوطنة جفعات هماتوس، وخاصة ما اعلنته مؤخرا عن بناء اربعة الاف وحدة استيطانية؛ ثانيا عدم البناء في المستوطنة المقامة في جبل ابو غنيم (هار حوماة). لأن اي بناء في اي منهما يهدد تواصل الدولة الفلسطينية، ويفصل القدس الشرقية عن باقي الضفة؛ ثالثا التوقف عن الانتهاكات الخطيرة في المسجد الاقصى، وعدم اتخاذ اية اجراءات او تغييرات داخل العاصمة الفلسطينية المحتلة؛ رابعا التوقف عن سياسة ترحيل ال 12 الف فلسطيني من محيط القدس الشرقية؛ خامسا عدم اتخاذ اية اجراءات تهدد خيار حل الدولتين على حدود الرابع من عام 1967. 
هذه الخطوط تعكس ارتقاء الدور الاوروبي تدريجيا لمستوى المسؤولية الملقاة على دول الاتحاد لاكثر من سبب، اولا لأن اوروبا مجتمعة ومنفردة مسؤولة عن نكبة الشعب العربي الفلسطيني؛ ثانيا مصلحة اوروبا في تحقيق تسوية سياسية لحماية مصالح اوروبا والغرب؛ ثالثا كون دول الاتحاد تساهم بقسط اساسي من اموال الدول المانحة لموازنة السلطة الفلسطينية، وهو ما يفرض عليها خلق حالة من التناسب بين ما تدفعه لدعم خيار السلام وبين دورها السياسي في فرض التسوية. 
غير ان الوثيقة الاوروبية على اهميتها، فإنها دون المستوى المطلوب، لأن حكومة اليمين المتطرف الاسرائيلية مالم تشعر بجدية التهديدات الاوروبية، التي لم تحددها الوثيقة، ولم تحدد الزمن، الذي ستفرض في اعقابه التهديدات الملوح بها، فإن إسرائيل ستواصل جرائمها وانتهاكاتها الخطيرة، ولن توقف اي من ممارساتها الاستيطانية، وستضرب عرض الحائط بالتسوية السياسية ومصالح اميركا وأوروبا والعرب وفي مقدمتهم الفلسطينيين. ولن تأبه بكل عناوين التلويح بالتهديدات. 
اوروبا إن كانت معنية جديا بالقيام بمسؤولياتها التاريخية الملقاة على عاتقها، فنها مطالبة باتخاذ اجراءات رادعة ضد الساسات الاسرائيلية الخطيرة، وتحدد ما هية عقوباتها، بحيث تكون عقوبات ذات صبغة شاملة لا تقتصر على المستوطنات المقامة على اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967، بل تشمل كل ميادين الحياة الاسرائيلية السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والرياضية والقانونية القضائية والبحث العلمي وسحب الجنسيات من مواطنيها، الذين يعيشوا ويخدموا في جيش الحرب والموت الاسرائيلي. ما لم تضغط اوروبا مجتمعة ومنفردة على دولة الارهاب المنظم الاسرائيلية، فلن تثمر وثيقتها شيئا، وستضاف الى الكم الكبير من القرارات والاجراءات الشكلية، التي اتخذتها اوروبا.