يموج العالم العربي اليوم بتداعيات هي الأخطر في تاريخه منذ الحرب العالمية الثانية، والتي أدت في حينه إلى قيام الكيان الصهيوني على مساحة 78% من إقليم فلسطين، في وقت كانت شعوب العالم العربي في أغلبها رازحة تحت السيطرة الإستعمارية، وتناضل من أجل استقلالها وبناء دولها المستقلة، وباحثة عن صيغة تعاقدية تنقذها من حالة التجزئة والشرذمة التي فرضت عليها وحالت دون قيام الدولة العربية الواحدة، والتي تبلورت في صيغة الجامعة العربية، التي بقيت عاجزة عن تحقيق تطلعات الشعوب العربية في الوحدة والتكامل كما في مواجهة الكيان الصهيوني وعدوانه المستمر الذي تغول في عدوان عام 1967م وأكمل احتلال فلسطين وأراضي عربية أخرى من مصر وسوريا، وقد تمثل رد الفعل الفلسطيني والعربي في حينه في إنطلاق حركة المقاومة الوطنية الفلسطينية وبلورتها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية ودعمها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني كرد استراتيجي على الكيان الصهيوني وعدوانه المستمر، إضافة إلى الإرتقاء بالعمل العربي المشترك إلى حالة من التضامن حاضنة للحركة الوطنية الفلسطينية من جهة ومجابهة للعدو الصهيوني أسفرت عن قيام حرب 6 تشرين/أكتوبر 1973م والتي أفقدت الكيان الصهيوني زهوه في انتصاره في 5 حزيران 1967م، كما أفقدت القوى الغربية المساندة له في عدوانه صوابها، وفرضت عليها تغيير مواقفها بإتجاه البحث عن تسوية لهذا الصراع العربي الإسرائيلي، تضمن أمن الكيان الصهيوني وبقاءه، فما أن وقفت الحرب حتى بدأت الدبلوماسية الدولية تنشط في هذا الإتجاه وأنتجت توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، والتي كان من أهم نتائجها الإنسحاب من سيناء وفتح قناة السويس الشريان البحري الهام للتجارة الدولية، ولكن في نفس الوقت وجهت ضربة قاصمة لحالة التضامن العربي، وعزلت مصر عن محيطها العربي، ومن ثم جرى افتعال الصراعات البينية والداخلية من الحرب الأهلية في لبنان إلى الخلاف الجزائري المغربي حول الصحراء الغربية إلى الحروب الأهلية في السودان، ومن ثم التغيير في إيران وإسقاط حكم الشاه في العام 1978م ووصول الملالي إلى الحكم في طهران وإعادة إحياء التطلع الإيراني الفارسي للهيمنة والنفوذ في الخليج العربي والإقليم، ومن ثم إندلاع الحرب العراقية الإيرانية، فإحتلال العراق للكويت عام 1990م وتداعياتها السلبية والخطيرة على الوضع العربي الذي بات في حالة من التأزم الخطير، مما استدعى التدخل الأجنبي بقيادة الولايات المتحدة وفقدان العالم العربي أبسط صور التضامن والتأثير في مجريات الأحداث، ليتحول العالم العربي إلى مسرح تتصارع عليه الفيلة من القوى الإقليمية والدولية ذات المصالح وذات النفوذ، وتبرز في هذا السياق إيران كقوة إقليمية ذات تأثير ونفوذ مستخدمة أوراقها المختلفة من اقتصادية وسياسية وطائفية، كما واستخدام ورقة الصراع العربي الإسرائيلي وقضية فلسطين ((قميص عثمان)) لمد نفوذها، ومن ثم الوصول إلى حالة الإنهيار والتفكك التي باتت عليها كثير من الدول العربية مع إنطلاق ما يصطلح عليه ((بدول الربيع العربي)) إضافة إلى بروز تركيا كلاعب إقليمي هام مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في أنقرة وتحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين، وتطلعه أيضاً لإستعادة بعض النفوذ العثماني من جديد واستخدامه لقضية فلسطين، شأنه في ذلك شأن بقية الدول التي دأبت على هذا التوظيف والاستخدام لتحقيق غاياتها القومية والإقليمية.
فما يجري اليوم في البلاد العربية من إنهيارات وصراعات وتصدعات مجتمعية وطائفية ونمو للتطرف الإسلامي، يهدد بقاء الدول العربية وأمنها واستقرارها ويفتح الباب أمام التدخلات الخارجية، ويوجه ضربة نجلاء للقضية الفلسطينية، ويفتح شهية العديد من القوى الإقليمية وفي مقدمتها إيران وتركيا إلى جانب الكيان الصهيوني للتدخل ومد النفوذ بل والسعي إلى السيطرة وإقتسام النفوذ والهيمنة على هذه الدول، وما الصورة التي بات عليها الوضع العربي في كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان ...الخ ينذر بالأسوء القادم، مالم تتدارك الدول العربية الفاعلة والوازنة وفي مقدمتها مصر والمملكة العربية السعودية والجزائر والمغرب والأردن والكويت والأمارات ... وتسعى مجتمعة لإستعادة بناء تضامن عربي جديد ووازن يوازن ويواجه هذه القوى الإقليمية الطامعة ويستعيد الأمن والاستقرار للدول العربية، ويواجه حالة الغطرسة والإستقواء والإستفراد التي بات عليها العدو الصهيوني في الإستفراد بالشعب الفلسطيني والتنكر لحقوقه المشروعة، وتهديد المقدسات الإسلامية، وفق سياسة عدوانية ممنهجة تستغل هذا الغياب العربي وتستغل حالة التقاعس الدولي عن إقرار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في حقه في العودة والحرية وإنهاء الاحتلال وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
تداعيات الإقليم والقضية الفلسطينية والدور المطلوب ...! بقلم عبد الرحيم جاموس
23-10-2014
مشاهدة: 764
عبد الرحيم جاموس
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها