شكّلت جلسة الحكومة الإسرائيلية الأسبوعية، أمس الأحد، المناسبة الأولى، كي تتطرّق، ورئيسها، بنيامين نتنياهو، إلى المبادرة الأوروبية - الأميركية، في شأن استصدار قرارٍ ملزمٍ من مجلس الأمن الدولي، من أجل وقف العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 50 يوماً على قطاع غزة.
لم يرغب نتنياهو بالتراجع، فاستند إلى الضغط الشعبي لسكان المستوطنات الجنوبية، وبدء وزارة الأمن الداخلي الإسرائيلية، بعد ممانعة طويلة، في تنظيم عمليات ترحيل للمستوطنين من المستوطنات الجنوبية، كي يتّخذ خطّاً خطابياً تصعيدياً لجهة التهديد بمزيد من القوة، وتحديداً بمزيد من "الاستسهال"، في ضرب الأحياء السكنية الفلسطينية في قطاع غزة، بحجة أن جيش الاحتلال "اعتاد" تحذير سكانها بمغادرتها، بمجرّد إطلاق المقاومة صواريخ من أرجائها.
ويمكن اعتبار تصعيد "بيبي"، دليلاً إضافياً على عمق أزمته الداخلية في الحكومة، وفي صفوف الجمهور الإسرائيلي، كما يُمكن أيضاً اعتباره جزءاً من خطّ وموقف تكتيكي جديد، تتّبعه حكومة الاحتلال، للظهور بمظهر "القوي"، الذي يملك كل الوقت، وذاك لانتزاع تنازلات جديدة من المقاومة، أو على الأقلّ، إضافة شروط إسرائيلية جديدة، إلى المبادرة الأوروبية الأميركية، على الرغم من أن نتنياهو، فضّل تجاهلها كلياً في اجتماع الحكومة.
في مقابل الصمت الإسرائيلي، وعدم الاستعجال في اتخاذ موقف من التحرّكات الدولية، سارعت السلطة الفلسطينية، ممثلة بالرئيس محمود عباس، إلى تأكيد على موقفها من الورقة المصرية، واعتبارها "الخيار الأول"، علماً أنها لم تحظَ بالموافقة الإسرائيلية عليها. وقعت تل أبيب في تناقضات داخلية، فحكومتها ترفض الورقة المصرية، بالرغم من أنها وصفتها بـ"العرض الوحيد في المدينة"، وفق تعبير نتنياهو، وهو الموقف نفسه تقريباً الذي يراه الرئيس عباس، ومع ذلك لم يصل الطرفان إلى حلّ وسط أو اتفاق.
ويُصبح هذا التناقض مفهوماً بسبب تعديلات المقاومة على المبادرة المصرية، ومواقفها الراسخة من عدم التنازل عن شروط وقف إطلاق النار. وأكدت تصريحات المتحدث باسم "حماس"، مشير المصري، ثبات المقاومة، حين صحّح تصريحات عباس، مشيراً إلى أن "قبول المقاومة بالرعاية المصرية، ينطلق من التعديلات الفلسطينية عليها، وليس من الورقة الأساسية، التي كانت تكراراً واضحاً وغطاء للإملاءات الإسرائيلية". ويشير الفرق بين الموقف المعلن لعباس، وتوضيحات المقاومة كما قدّمها الراعي المصري، إلى وجود محاولات واضحة وحثيثة، لإنهاك المقاومة، في صياغات متعددة، تحاول الالتفاف على مطالبها الأساسية، عبر الحديث والتسريبات المتكررة، عن قرب التوصّل إلى حالة من الاتفاق واحتمال استئناف المفاوضات.
وأكدت تلك المحاولات عدم واقعيتها، بعد إبداء صحيفة "يديعوت أحرونوت" استغرابها وتشكيكها بصحّة التفاؤل الذي بثّته أوساط في الوفد الفلسطيني الرسمي في القاهرة. وقد لفتت الصحيفة في هذا السياق، إلى أن "المبادرة الأوروبية مثلاً، تلتزم عملياً بالاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، ولا تتحدث عن التزام بفتح ميناء أو بناء مطار، مع التأكيد على أن الغاية منها هو توفير ما تفتقر إليه المبادرة المصرية وما لا تستطيع مصر تقديمه، وهو الضمانات الدولية".
ويبدو أن الموقف الفلسطيني الرسمي، كما مثّله الرئيس عباس، يميل إلى اعتماد الموقف المصري الرسمي، ما دفع بحركة "حماس" إلى إعادة توضيح موقفها من الورقة المصرية. وما تزال الضغوط الفلسطينية الداخلية، تحول دون قطع شعرة معاوية التي تربط حالياً بين أفراد الوفد الفلسطيني المفاوض.
على أية حال، فإن الجدول الزمني المرتقب للتحرّك الدولي، للوصول إلى قرارٍ رسمي في مجلس الأمن، وفق المبادئ العامة التي تم نشرها، مع إبقاء أمر التفاصيل للمبادرة المصرية، يشي بإطالة عمر العدوان، وهو ما جعل سلطات الاحتلال، على الأقلّ عبر أجهزتها العسكرية ووسائل إعلامها، تغيّر مسميات العدوان، من "حملة عسكرية" إلى "معركة"، وفق الخطاب العسكري للجيش، كما تمثل في التصريحات الأخيرة لرئيس أركان الجيش، بني غانتس، ووزير الدفاع، موشيه يعالون، في مقابل بدء مراسلي الشؤون العسكرية في الصحف الإسرائيلية، باستخدام مصطلح "حرب الاستنزاف" و"الحرب التي لا نهاية لها"، في مقالاتهم اليومية.
في غضون ذلك، وفي انتظار أن تعطي التحركات الدولية ثمارها، أو تنهار، بفعل محاولتها تجاهل ورقة المقاومة ودورها الأساسي، يعوّل الاحتلال الإسرائيلي على "نجاحه" الخاص، في اغتيال أكبر عدد ممكن من رموز وقادة المقاومة، خصوصاً، بعد أن أعلن نتنياهو، أمس الأحد، وقبله وزير المالية، يائير ليبيد، أن لا حصانة لقادة "حماس"، سواء كانوا من الجناح العسكري أم السياسي، وزاد ليبيد على ذلك بالقول إنه "لن تكون حصانة لقادة حماس من الداخل، ولا قادتها في الخارج". وتعتبر إسرائيل أن في وسعها اغتيال أي قائد، سواء كان عسكرياً أم مدنياً، ويمكن أن يساهم اغتياله في كسر التعادل القائم، في الحرب على غزة، وقد يُشوّش أو يؤثر في مواقف قادة "حماس" ويضعف من موقعهم وموقفهم التفاوضي، ويمهّد لممارسة ضغوطٍ عليهم من الجانب المصري ومن قيادة السلطة الفلسطينية على حد سواء
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها