أعرف أنها ليست تغريدة صباحية.. لكنها تشبه صباحات الوطن الحمراء.." أميرة".. طفلة ولدت في غزة. لم تكن قد تجاوزت العشرين يوما... يوم داهم العسكر بيتها.. أطلقوا عليها رصاصة في الرأس.... فكتبت لها:
جاءت الأميرة، دوّنت إسمها في سجل الحضور الوجودي و مضت على عجل، فقط، قالت أنها ستعود يوما... عشرون يوما غير كافية للتمييز بين رحم الأم و رحم الأرض، كلاهما يمنح الدفء و الحنان.
قضيت أيتها الأميرة النائمة قبل أن نحكي لك بعضا من حكايانا.
وإليك بعضها: كان يا ما كان في قديم الزمان، أن هبطت سفينة فضائية من كوكب آخر بكل أشكال مخلوقاته.. و من بين ركابها رئيسة وزراء أذكر أن اسمها كان غولدامائير. حطت في حديقة بيتك و عاثت فيها قتلا و خرابا، فهربت الفراشات. بعضهم كان يقول إنها كانت امرأة، و البعض الآخر يقول إنها كانت رجلا. لكن أحد الصحفيين الظرفاء من أتباعها، علّق وحسم الأمر حين نزلت الرئيسة من الطائرة، أثناء هبوب عاصفة طيّرت فستانها، فقال: شكرا لله تأكدنا أنها امرأة!!
كان لغولدامائير لازمة ترددها كما في اسطوانة مشروخة وهي :" حين أسمع بولادة طفل فلسطيني، لا أستطيع النوم لثلاثة أيام" ! لكنك يا أميرة أتيت مرة ثانية لتسرقي النوم من عينيها حتى في موتها، بعد أن قتلتك عام 1948!!
و كان هناك أيضا وزير دفاع، اسمه موشيه دايان ... خاض حربا ثلاثية عام 1956 مع فرنسا و إنكلترا، فما كان منه الاّ أن سارع واحتلّ غزة حيث تسكنين. مارس مهنته التي ورثها ولا يجيد غيرها: القتل ثم القتل و التلذذ بالقتل! رآك تلعبين مع محمد و سائر أقرانك الذين بكروا في الشهادة، لم يتحمل براءة نظراتكم فانسحب. وفي عام الإنتفاضة الأولى صرّح:" أنا المسؤول عن هذه الانتفاضة، فهؤلاء الأطفال الذين لم أقتلهم عام 1956 هم الذين يقودون الإنتفاضة اليوم"!! يومها أباد بعضكم، وألقى ببعضكم الآخر بين جدران ضيقة لا تشبه أرحام أمهاتكم، التي لم يطل بكم عهد مغادرتها.
اليوم وفي محرقة غزة ذهب جنوده إلى بيتك... ليجدك تخرجين من مطهر المحرقة بولادة جديدة و تحاصرينه بنظراتك البريئة، لم يحتملها، فأطفأ نور عينيك برصاصة في الرأس، وهو يعلم أنك ستولدين مرة ثالثة ورابعة وخامسة ومع كل الأجيال، وسوف يقتلك مرة ثالثة ورابعة وخامسة، هو متربص بسكينه الحمراء، لكل أميرة تولد و لكل محمد ولكل وائل يولد ليدوّن اسمه في سجل الحضور الفلسطيني.
قتلوك "يا عار بنادقهم" التي ترعبها نظرة طفل، وقوة لا تقهر، لكنها.. تقهر امام نظرات أطفال لم ينعموا بطفولة أو براءة، و ترتعد لقسمات غضب طفولي.
أيتها الأميرة النائمة! رفقاؤك ينتظرونك للعبة "عسكر وحرامية". ونحن ننتظرك في موسم قطاف ثمرات زيتون جرفت أشجارها العتيقة، لكن جذورها تضرب عميقا في الأرض. ننتظرك مع موسم الياسمين لا شقائق النعمان.
يا أمها يا أم محمد وكل البراعم في محرقة غزة....نعلم أن للغياب طعم الحنظل.. ولن تستطيع كل الكلمات المقدسة و غير المقدسة من هدهدة أحزانكم، ولا نملك إلا أن نسجد لآلامكم، بعد أن سجدنا لآلام ضحيتهم الأولى.. ففي كل يوم يسوع يصلب، ويأبى الا أن يقوم في اليوم الثالث عصيّا على الموت.
مجلة القدس- حنان بكير
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها