تتركز حملة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية على تصوير العدوان الإسرائيلي على غزة على أنه صراع إسرائيلي مع حركة "حماس" وليس مع الشعب الفلسطيني، وأن لا وقف للعنف من دون تجريد الحركة من أسلحتها، وذلك في محاولة للتأثير في الرأي العام الأميركي ودفع واشنطن إلى تبني الأهداف الإسرائيلية كاملةً.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ساهم في تحديد مسار الحملة بنفسه بمطالبته بتحويل قطاع غزة الى منطقة منزوعة السلاح، تحت شعاري "الحرب على الإرهاب" و"حق إسرائيل في الدفاع على النفس"، لتبرير رفض حكومته مقترحات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وارتفاع أعداد الضحايا الفلسطينيين، وبالتالي استمرار الهجوم على غزة وأهلها.
نجحت الهجمة الإعلامية والسياسية الصهيونية، إلى حد لا يمكن الاستهانة به، فوفقاً لمعهد "بيو" الأميركي للدراسات، إن 40 في المئة من عينة من ألف شخص يعتقدون أن "حماس" تتحمّل المسؤولية عن الخسائر البشرية والمادية في غزة وعن معاناة الفلسطينيين، فيما توالت الأصوات والمقالات المنتقدة لمبادرة كيري لتعاملها مع "حماس" كطرف "مساوٍ للطرف الإسرائيلي"، ولم تشترط نزع سلاح المقاتلين الفلسطينيين."
ويبدو أن التركيز في مقابلات نتنياهو التلفزيونية على الادعاء بأن "حماس" ترفض وقف إطلاق النار، كان ممنهجاً بشكل واضح، إذ ترافق مع حملة مماثلة من باحثي ومحللي معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، وهو معقل الصهيونية الأهم في واشنطن، لإبعاد الأنظار عن المأساة الإنسانية في غزة والتركيز على أن إسرائيل تواجه منظمة إرهابية تدعى "حماس" في القطاع.
كما أن هدف ردع "حماس" والمقاومة وهو هدف أميركي آنيّ ومرحليّ وإن لم يكن هدفاً استراتيجياً، من خلال التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، يرفضه بل يحاربه اللوبي الصهيوني وأوساط اليمين في تل أبيب، إذ إن المطلوب، وهذا ما يحاول نتنياهو تحقيقه، هو انتصار ساحق، ليس باستسلام "حماس" و"الجهاد الإسلامي" والفصائل الأخرى فحسب، بل الشعب الفلسطيني ككل، أي حل نهائي يشل القوى الفلسطينية نهائياً.
من هنا، فإن الهجوم على كيري واتهامه بأنه "أخطأ"، وهي جملة يقولها إعلاميون صهاينة وغير صهاينة ترديداً لتحليلات صهيونية، يحمل في مضمونه رفض فكرة ردع "حماس"، لصالح القضاء على المقاومة، ليس في غزة فحسب بل في كل أنحاء فلسطين.
لكن الانتقادات اللاذعة والجارحة أحياناً لمبادرة كيري، لا تدل على شرخ جوهري بين واشنطن وتل أبيب، فكلا الطرفين يحاول عزل "حماس" عن بقية الفصائل وبالأخص حكومة التوافق الفلسطيني، وهما يرفضان رفع الحصار عن قطاع غزة.
لكن الفارق الرئيسي بين الموقفين، يبقى في أن الإدارة الأميركية حريصة على إنقاذ إسرائيل مما تراه ضرراً من عزلة قد لا يكون من السهل احتواؤها، ليس فقط بسبب المناظر الرهيبة التي يشاهدها الملايين عبر الأثير والمواقع الاجتماعية، بل لأن هيبتها العسكرية أيضاً تأثرت بصمود المقاومة غير المتوقع، والذي أثبت حدود قوة الترسانة الإسرائيلية في الانتصار في حرب على شعب محاصر.
وبالتالي يجب فهم إصرار الولايات المتحدة على دور لقطر وتركيا، واستبعاد مصر عن اجتماع باريس في سياق الهدف الأميركي. المسألة لا تتعلق بحب أو كره أي من الأطراف، لكن صمود المقاومة وتمادي اسرائيل، حتى وفقاً للعرف الأميركي الرسمي، دفع واشنطن إلى محاولة إيجاد حل مع "حماس" نفسها، واللجوء إلى الدول التي تعتقد أن لها تأثيراً على الحركة.
وهذا السبب نفسه الذي يجعل الإسرائيليين والصهاينة يرفضون دور كل من تركيا وقطر، إذ يرونه تمديداً لحياة "حماس"، فوقف إطلاق النار من دون نزع سلاح المقاومة وتدمير كل الأنفاق وعزل الشعب الفلسطيني عن المقاومة بتحميلها مسؤولية الضحايا الفلسطينيين، يخرّب الأهداف الإسرائيلية، التي لم تتحقق بفضل أداء المقاومة.
وبالتالي فإن واشنطن لم تكن لتتحرك على هذا النحو، وإن كان الدافع مساعدة إسرائيل، لو أن نتنياهو استطاع تحقيق أهدافه عسكرياً. ولكن الصور القادمة من غزة سبّبت قلقاً أميركياً على مستقبل حليفتها، فقبل توجّهه إلى المنطقة، كشف كيري عن رأيه الحقيقي في الخطأ حين تذمر لمساعديه، وغير منتبه إلى أن الميكرفون يعمل، قائلاً بسخرية "يا لها من عملية دقيقة الأهداف، يجب أن نذهب إلى هناك (المنطقة) على الفور".
الجدير بالذكر أن الإدارة الأميركية واللوبي الصهيوني ومعظم الصحف الأميركية، تجاهلت التغيير في لهجة السلطة الفلسطينية وتفاهمها مع "حماس" على شروط وقف إطلاق النار، إذ أن الاعتراف به يُفشل الرواية الدعائية من أن صراع إسرائيل هو مع منظمة إرهابية معزولة، ولا يناسب هدفاً آخر وهو تقويض الحد الأدنى لتوافق وطني فلسطيني.
فإدخال أي تأييد، ولو لفظي من قبل "فتح" أو السلطة أو منظمة التحرير الفلسطينية، يُفسد الهدف الإسرائيلي الصهيوني لتبني أميركا رسمياً نزع سلاح المقاومة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها