اعتقد أن نقطة الارتكاز الأساسية التي يجب أن نحتشدحولها فلسطينيا هي تدعيم الثقة بالذات الوطنية الفلسطينية, و اعتبار هذه الذات الوطنيةممثلة بالشعب الفلسطيني على امتداد رقعة فلسطين التاريخية, و في مواقع الشتات و القريبو البعيد, هي الفاعل الأول في القضية الفلسطينية التي هي من أعقد قضايا التاريخ الإنساني، لأن الخصم الرئيسي ، وهو الحركة الصهيونية ودولتها إسرائيل ، لديها ادعاءات ، وخرافات، مغلفة بنصوص مقدسة مختلف عليها وغامضة جدا ، تدور كلها حول نفي التراث الوطنية الفلسطينيةنفيا مطلقا ، و بالتالي فإن الحديث المرسل عن العمق العربي و العمق الإسلامي للقضيةالفلسطينية, يجب أن يرتكز دائما, و يأخذ شرعيته و معناه, من الذات الوطنية الفلسطينية,و أن الاندياح بميوعة و دون حدود تحت سقف العمق العربي و الإسلامي, كان دائما مرحبابه من الحركة الصهيونية في الماضي, و من دولة إسرائيل في الحاضر, لأن الخصم لا يريدالتحديد الحاسم, فيتهرب إلى كثرة و تداخل الأطراف التي تعطي نفسها الحق في التحدث باسمالقضية, فتضيع القضية, ما دام صوتها الأصلي صوت شعبها, وصوت قيادتها تائها في الضجيجو تداخلاته المتحركة .

القضية الفلسطينية صالحة جدا للاستخدام, فهي قضية عادلة,وراسية في أعماق الضمير العربي والإسلامي ، ومخدومة جيدا بالنصوص الدينية والموضوعية، وما أيسر أن يدخل الداخلون من نوافذها المتعددة ، وهذا كان دائما مصدر الصعوبة التييواجهها الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية !!! فهو ممزق بفعل هذا التداخل ، ومحظور بفعلهذا التداخل ، وهو مسرح للكبير والصغير ، للجاد والعابث ، لأصحاب الأدوار الحقيقيةوأصحاب الأدوار الوهمية تحت سقف هذا التداخل !!! وقد صدمني المقال الذي كتبه قبل أيام، شخص يائس وغريب الأطوار ولا تعرف هويته على وجه التحديد ، وهو الدكتور محمد المسفر، الأستاذ الجامعي القطري ، الذي يستنكر وجود آراء سلبية تتعلق بزيارة سمو أمير قطرإلى قطاع غزة ، وهي آراء لبعض القيادات الفلسطينية الرئيسية ، بينما هذا الدكتور محمدالمسفر لا يستنكر وجود آلاف الآراء المختلفة في فهم النص القرآني أو النص النبوي !!!

أليس عجيبا بالله عليكم ؟؟؟؟ لا أريد أن أستفرد في الحديثعن هذا النموذج البائس الذي يمثله الدكتور محمد المسفر ، ففي العادة ، فإن من يلبسدورا زائفا ينتهي به المطاف إلى الانكشاف والبؤس والخيبة !!!

ولكن الفكرة الرئيسية أن الفلسطينيين – رغم صعوبة أوضاعهم– يجب أن يثقوا بأنفسهم أكثر ، وخاصة في هذه الأيام التي يصعدون فيها إلى التصويت فيالجمعية العامة ، كخطوة رئيسية نحو الاستقلال وقيام الدولة ، بينما الضغوط عليهم تصلإلى ذروتها ، ويجب أن يلجأوا إلى ذاتهم الوطنية أولا من أجل أن يتبلور لديهم عمق عربيوعمق إسلامي حقيقي ، ولا بأس من بعض التوافق الإيجابي لكي يحصلوا على ما يستطيعون الحصولعليه من الدعم ، دون أن يسمحوا لهذا الدعم الخبيث المسموم و الموجه أن يفسد هدفهم الرئيسي !!!

هل هذا صعب أو مستحيل ؟؟؟

لا اعتقد ذلك, فلقد كان الشعب الفلسطيني شعبا و أحزابايوم إسقاط مشروع الإسكان و التوطين في صحراء سيناء, و في دلتا الفرات في منتصف الخمسينات!!! و لقد كانوا شعبا و أحزابا حين فجروا الثورة المعاصرة في مطلع عام 1965, و حينفجروا الانتفاضة, كانت هناك خلافات, و اجتهادات, و أنانيات, و محاولات استخدام من هناو هناك, و لكن الذات الوطنية الفلسطينية استطاعت أن تحصر الأضرار في أضيق نطاق و أنتستثمر الفائدة في أوسع نطاق, و كان أن صعد الشعب الفلسطيني المحتل و المشرد كلاعبرئيسي على مسرح الشرق الأوسط .

أنا اعتقد كمراقب سياسي, أن الشعب الفلسطيني الآن أكثرنضوجا من الممارسة السياسية للعديد من القوى السياسية الفلسطينية, و قد كان النموذجالذي استندت إليه في الوصول إلى هذه الخلاصة, أن سمو أمير قطر جاء إلى قطاع غزة فيلحظة اختناق قصوى, و كان من المفترض أن يلاقي أكبر قدر من المشاركة و المشاعر الفياضة,فلماذا لم يحدث ذلك ؟؟؟ و لماذا كانت المقاطعة شاملة إلى هذا المستوى غير المسبوق ؟؟؟ليس ذلك كراهية في سمو الأمير, لا, ليس الأمر كذلك, فقطر تشكل حالة حضور متميزة فيالمشهد العربي و في المشهد المتعلق بالقضية الفلسطينية !!! و إنما لأن الناس في قطاعغزة, بوعيهم الوطني الحاضر, استكثروا على أنفسهم أن تبسط القضايا بهذه الطريقة, و أنيتجاهل أحد و لو عن غير قصد مرجعياتهم الوطنية التي تخوض المعركة و تواجه الضغوط والتهديدات.

هذه لحظة مهمة, لأن تقول فيها, أنه لا مساعدة عربيةأو إسلامية يمكن أن تجدي بدون قناتها الرئيسية, و هي الذات الوطنية الفلسطينية ؟؟؟فحين تساعدون, هل تساعدون التمزق و الانقسام و المشاريع الغامضة ؟؟؟

كان هذا هو السؤال الفلسطيني الذي لا يجب أن يتجاهلهأحد.