يحق لكل منا الاعتقاد حسب زاوية رؤيته للأمور, فأنا من الذين يعتقدون ان الأزمة الاقتصادية التي تعيشها السلطة الفلسطينية ذات صلة بالمؤامرة على المشروع الوطني وتاكيد مقولة ان الرئيس ابو مازن ليس ذا صلة بعملية السلام عبر اظهار السلطة كعاجز عن أداء مهمتها الوطنية, وانه لا مبرر لوجودها, ما دامت دويلة غزة قائمة بحدودها و«معبرها» و«حكومتها» و«جيشها» وسلطتها التي تجبي الضرائب, فأحد شروط نجاح مشروع اقامة الدولة المؤقتة البديلة الدائمة والاعلان عنها في غزة هو تفكيك مقومات السلطة الوطنية الفلسطينية, واسقاط حكومة الرئيس ابو مازن ايا كان رئيسها سواء كان الدكتور فياض او غيره, فالمتآمرون اتخذوا من ارتفاع اسعار الوقود والمواد الغذائية وغيرها الى أرقام قياسية ليشهروا سيوف حججهم الجديدة بوجه السلطة الوطنية ورئيسها الذي يبدو ان اسرائيل لن تقطع عنه الكهرباء وحسب, بل ستقطع الموارد التي تمكن الدولة الفلسطينية المنشودة من القيام حتى لو كانت بصفة عضو مراقب في الأمم المتحدة, كما تسعى لتخريب ركائز هذه الدولة بسوس المشاكل الاقتصادية والاجتماعية, وتحريض المنتفعين المعروفين بسرعة البديهة الانتهازية للتحشد تحت يافطات المطالب الجماهيرية المشروعة.كانت خطوة حكيمة استدعتها أمانة المسؤولية, أن اصدر الرئيس ابو مازن توجيهاته لرئيس الوزراء لتأمين مخصصات الموظفين ومعالجة فورية للغلاء وارتفاع أسعار المواد الأساسية ومنها بشكل خاص المحروقات, وضرورة وضع حد لاستنزاف الشرائح الأوسع من الجمهور الفلسطيني بسلاح الضرائب, فالرئيس رغم ادراكه للأسباب التي أدت الى هذا الواقع المؤلم, ومعرفته بأهداف ومقاصد القوى المحلية والخارجية الضاربة للاستقرار الذي تحقق في السنوات الماضية, الا انه لم يشأ تحميل الغالبية العظمى من الجمهور الفلسطيني مهمة تفسير وتحليل الحيثيات التي أدت لهذه الأزمة, فهذه مسؤولية الحكومة وعليها ايجاد الحلول المناسبة..فالشعب دائما على حق وما الحكومات الا لخدمة الشعب ولتأمين مستلزمات صموده وحياته الكريمة الطبيعية.مهمة جدا صور الاحتجاج فهي تعبير عن حيوية الشارع الفلسطيني, واهتمامه بقضايا حياته اليومية, لكن الهم الذي يجب ان ننتبه له ان «قوى انتهازية» ما زالت تتعامل بأسلوب تحين الفرص للقفز الى الواجهة السياسية, عبر استغلال بشع وباطل لمعاناة أغلب شرائح المجتمع الحقيقية, فلو كانت هذه القوى المتنطحة الآن لتنظيم المظاهرات والاحتجاجات جادة ومنسجمة مع مبادئها وبرامجها لكانت بادرت الى جعل الشاب ايهاب ابو الندى «بوعزيزي غزة» ولجعلت غزة كمدينة سيدي بوزيد التونسية التي كانت موطن بوعزيزي ومهد انطلاق الحراك الشعبي التونسي... لكن هذه القوى أدارت وجهها عن أحد المنابع الرئيسة للمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وهم الانقلابيون الانقساميون في غزة, واتجهت الى منارة رام الله والخليل لتفجر جام غضبها حيث أمر الرئيس حكومته الشرعية بالسماح للمواطنين بالتعبير، والتظاهر وتوفير الحماية للمتظاهرين, ومعالجة المطالب المحقة للجمهور فورا دون ابطاء.قد لا يعلم معظم المواطنين العاديين أسباب الأزمة الحالية, لكن «مسيري المظاهرات» يعلمون ان حكومة الرئيس ابو مازن تصرف ما قيمته 45% من موازنتها السنوية على غزة, لكنها لا تجبي اكثر من 2% من المدفوعات, حيث تجبي سلطة الانقلاب الانقسامية في غزة الضرائب من المواطنين ولا تقدم بالمقابل الا المخصصات والامتيازات لعناصرها, وبعض المشاريع التي يستفيد منها أباطرة الأنفاق والأجهزة المتحكمة بمفاصل الحياة في القطاع, فحكومة حماس تضيع على السلطة سنويا مئات الملايين من الشواقل بسبب رفضها تسليم فواتير المقاصة التي دونها لا يمكن تحصيل الضرائب التي يقتطعها الجانب الاسرائيلي قبل تسليم البضائع لأصحابها في المعابر, فهذه الفواتير تكفي لسداد نسبة لابأس بها من فاتورة الرواتب بدل انتظار رحمة الدول المانحة والمتبرعة لنا بالقطارة !!.. فالانقلاب لم يجزئ تراب الوطن وحسب بل تعداه الى حرمان الشعب الفلسطيني من موارد أساسية لخزينته العامة كان اقتصاد غزة مساهما كبيرا في تنميتها...لذلك كله كان يجب ان تسير المظاهرات في غزة أولا.. وتستمر حتى يسقط الانقلاب والانقسام, حينها سيكون واجبا وحقا التظاهر بوجه الحكومة الشرعية ان لم تحسن الاوضاع الاقتصادية بعد زوال المبررات.. لكن هل نسينا الاحتلال والاستيطان؟!جزء كبير من الأراضي الفلسطينية الصالحة للمشاريع والاستثمار الزراعي خاصة تقع في المنطقة ( ج) الخاضعة أمنيا للاحتلال ومساحتها أكبر من المناطق الواقعة في المنطقة (أ) الخاضعة للسيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية, وكذلك انتشار سرطان الاستيطان والتهويد وانتشار الحواجز ومصادرة الأراضي والحصار الاقتصادي والتهديدات المتتابعة بقطع مستحقات السلطة من الضرائب, والتهديدات الأمنية التي تفرضها على الأرض الاجراءات الاسرائيلية وتلك التي تهدف لاشاعة بيئة طاردة للاستثمارات الوطنية او الأجنبية كلها عوامل تسهم في تشكيل الأزمة التي تنعكس سلبا على المواطن ذي الدخل المحدود.أخيرا لا بد من القول: مطالب الشعب حق .. لكن الانتهازية باطل.
مطالب الشعب حق.. لكن الانتهازية باطل / بقلم موفق مطر
07-09-2012
مشاهدة: 828
موفّق مطر
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها