فتح ميديا-لبنان/ خاص مجلة القدس

أثارتعملية سيناء التي راح ضحيتها 16 جندياً وضابطاً مصرياً، جدلاً مصريا- إسرائيليا، وقلقاًفلسطينياً، حيث تباينت الآراء حول هوية منفذيها ودوافعهم. ففي الوقت الذي يرى فيه البعضأنَّها تصفية حسابات بين أنصار الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك والرئيس الإخوانيالجديد محمد مرسي، يرى آخرون أنَّها تستهدف "حماس" والفلسطينيين، فيما ترىإسرائيل أنَّ عمليات الجيش المصري التي أعقبت العملية خرق لاتفاقية السلام "كامبديفيد". أمَّا بخصوص الجهة المنفذة، فقد وُزعت الاتهامات ما بين "حماس"والحركات الجهادية العالمية والموساد الإسرائيلي

تحقيق: منال خميس- غزة

 

مواقفمتعددة وردات فعل متباينة

 وكانت مصادر عسكرية مصرية قد أعلنت أنَّ هجوماً إرهابياًكبيراً وقع في شبه جزيرة سيناء على نقطة متمركزة للجيش المصري بالقرب من معبر كرم أبوسالم التجاري، المتاخم للحدود الإسرائيلية، مشيرةً إلى أنَّ جماعات ملثمة تستقل سياراتعليها مدافع ورشاشات ثقيلة أطلقت قذائف "آر بي جي" على النقطة العسكرية أثناءصلاة المغرب في 5 أغسطس، وقتلت واختطفت عدداً من الجنود،كما اختطفت مدرعة عسكرية وهربتمن المكان.

ويُعد هذا الهجومهو الأخطر الذي تتعرض له القوات المسلحة المصرية في سيناء منذ اتفاقات السلام 1979التي أعادت هذه المنطقة إلى السيادة المصرية.

وفور انتشار الخبرسارع الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي بالقول أنَّ الطائرات الحربية الإسرائيليةقصفت سيارة اقتربت من معبر كرم أبو سالم، فيما انفجرت سيارة أخرى ذاتياً قرب نفس المعبر،مدعياً أن منفذي الهجوم على الثكنة العسكرية المصرية قدِموا من قطاع غزة وتسللوا عبرالحدود، فيما أفاد شهود عيان بأنَّ الآليات العسكرية الإسرائيلية المتمركزة شرق منطقةكرم أبو سالم وشرق مطار غزة الدولي، أطلقت عشر قذائف مدفعية على الأقل وأطلقت النيرانباتجاه المناطق الفلسطينية الحدودية جنوب القطاع.

كما أكد رئيس الهيئةالأمنية والسياسية في وزارة الدفاع الإسرائيلية أنَّ التنسيق الأمني بين إسرائيل ومصرسيستمر بموجب معاهدة السلام الموقعة بين البلدين، بالرغم من أن الاعتداء –بحسب قوله-سعى للقضاء عليها.

أمَّا على الصعيدالمصري، فقد ألقت العملية الضوء على قصور كبير في المجال الأمني على الحدود، مما أدىإلى مجموعة من التغييرات على رأس مؤسسات عسكرية وأمنية، كان من أبرزها إحالة رئيس جهازالمخابرات العامة على التقاعد وإقالة محافظ شمال سيناء، وإغلاق معبر رفح البري وتفجيرعددٍ من الأنفاق على الحدود الفلسطينية-المصرية.

وأعلن التلفزيونالمصري، مقتل عشرين مسلحاً في ضربات جوية شنَّتها مقاتلات القوات المصرية المسلحة فيسيناء، مشيراً إلى أن القصف المروحي استهدف تجمعات للإرهابيين في العريش وسيناء، لأولمرة منذ حرب عام 1973، وقد حققت الضربات الجوية خسائر كبيرة في صفوف الجماعات المتطرفةفي ثلاثة مواقع هي قرية التومة التي تعتبر إحدى أكبر البؤر التي تحوي عناصر متطرفة،وقرية الشلاق وقرية العتايقة.

ومن جهته، أعربالرئيس الفلسطيني محمود عباس عن ألمه تجاه الهجوم المسلح على نقطة التفتيش في سيناء،معلَّقاً بالقول: "نحن لا نعرف ما هي ملابسات الحادث، ولكن يؤلمنا أن تسيل الدماءالمصرية من أيدٍ عربية، لا أدري من أين لكن أيَّا من كان القاتل فهو مجرم والفاعل مدانويجب أن يدان".

أمَّا في غزة،التي لاقت اتهامات كبيرة من قِبَل الشارع المصري بالتورط في الهجوم ضد الجنود المصريين،فقد سارعت حكومة "حماس" بالنفي وإبعاد التهمة عنها، وأغلقت الأنفاق وحافظتعلى تعزيزات أمنية كبيرة على امتداد الشريط الحدودي لمنع تسلل أي مشبوهين. وكشفت مصادرمن "حماس"، عن أنَّ أجهزتها الأمنية باشرت فور وقوع الهجوم بتحقيقاتٍ داخليةٍللتثبت من صحة الاتهامات بمسؤولية جهات في غزة، كما أعلنت "حماس" إبداء المستويينالسياسي والأمني فيها استعداداً تاماً للتعاون وتعقب أيَّة خيوط داخل غزّة، وملاحقةأي متهمين يثبُت تورطهم في الهجوم. وكشفت المصادر النقاب عن أنّ "حماس" كانتقد عرضت على مصر قبل وقوع الهجوم الأخير وبعده، تأليف قوة أمنية فلسطينية مصرية مشتركة،مهمتها ضبط الحدود، كما طالبت السلطات المصرية بإغلاق الأنفاق الموجودة لعدم قدرتهاعلى السيطرة عليها.

هذا وقد شهدت منطقةالشريط الحدودي المصرية-الفلسطينية، حالة من الهدوء الإجباري، لم تشهدها منذ خمس سنوات،فبدت شبه خالية من ضجيج المولدات وآلات السحب والشاحنات التي كانت تنقل البضائع والمهرباتعبر الأنفاق، إلا أنَّ أبو قصي "صاحب أحد الأنفاق"، علَّق بالقول:"إن الأنفاق عادت جزئياً بعد ثلاثة أيام للعمل"، حيث تمَّ إبلاغهم من قبللجنة الأنفاق التابعة لحكومة غزّة بعودة العمل في الأنفاق لضخ الوقود إلى غزة، وبأنّالعمل لنقل الوقود ومواد البناء يجري تحت رقابة الأمن، مؤكداً على أنَّ الأمن المصريهدم عدة أنفاق تهريب مكشوفة.

وينتشر على طولالشريط الحدودي، على مسافة تزيد عن 13 كيلومتراً، أكثر من 1200 نفقاً تنشط في تهريبعشرات أنواع السلع والبضائع التي منعت إسرائيل إدخالها إلى قطاع غزة، ويقدر خبراء اقتصاديونغزاويون حجم التجارة عبر أنفاق التهريب بنحو نصف مليار دولار سنوياً بعد أن أصبحت غزّةتعتمد على هذه الأنفاق جراء الحصار الذي فرضته سلطات الاحتلال منذ عام 2006.

 

ما بعدالهجوم بين تبعات الوضع وآفاق الحلول

 على صعيد آخر، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزةأنَّ قرار السلطات المصرية القاضي بإغلاق معبر رفح الحدودي أمام المرضى الفلسطينيينسيزيد من معاناتهم وينذر بكارثة صحية حقيقية، مشيرةً في بيان لها، إلى أنَّ قرار إغلاقهفي وجه المرضى والحالات الإنسانية سيزيد من معاناتهم وسيفاقم وضعهم الصحي بشكل متسارعمما ينذر بكارثة صحية حقيقية، مُضيفةً "إنَّ أعداداً  كبيرة من المرضى مسجلة في قوائم للسفر لتلقي العلاجفي مستشفيات جمهورية مصر العربية".

وعلى الصعيد الفلسطيني-الفلسطيني كشف محللون للـ"قدس" عن أنَّ "حماس" تخشى من أن تطيحعملية سيناء بوعود كسر الحصار عن قطاع غزة التي تلقتها من الرئيس المصري محمد مرسي،وخصوصاً بعد الهجمة الإعلامية المصرية الشرسة ضد القطاع، حيث وصلت الأمور إلى حدّ تمزيقالعلم والكوفية الفلسطينية في جنازة تشييع جثامين ضحايا العملية الستة عشر.

بيدَ أن عضو المكتبالسياسي لحزب الشعب وليد العوض رأى أنَّ "المراهنات على وجود الرئيس مرسي في مصرلا يجب أن تقود البعض إلى وهم أنه يمتلك عصا سحرية للحل الفلسطيني، فهناك خصوصية لأوضاعمصر الداخلية عليه أن ينشغل بترتيبها، مثلما على الفلسطينيين أن ينشغلوا بترتيب أوضاعهمالداخلية"، مضيفاً بأنَّه "لا يجب الرهان على حل مشاكل قطاع غزة في ظل حكمالإخوان لمصر، ففي السابق حين كان يتم إغلاق معبر رفح كانت تقوم الدنيا ولا تقعد، أماالآن فيبدو الأمر في عهد الإخوان وكأنه مسألة تغتفر".

وألقى العوض بمسؤوليةالعملية على عاتق الاحتلال، فأشار إلى أنَّ هذه العملية وضعت كل منطقة سيناء في دائرةالاهتمام العربي والدولي وقدمتها على أنَّها منطقة غير آمنة، وهذا ما يريده الاحتلالتوطئةً لمشاريع تخطط لها الدوائر الإسرائيلية، إلى جانب إحراج الجيش المصري وإظهارهبمظهر العاجز عن الحماية.

أمَّا فيما يتعلقبالعلاقات بين غزة ومصر، فلفت العوض إلى أنَّ الإجراءات المصرية بالرغم من قسوتها تجاهالقطاع من الناحية الإنسانية، إلا انه بمنظور الأمن القومي من الجانب المصري يجب أننتفهمها. ويعتقد العوض أنَّ الإجراءات المقبلة للسلطات المصرية ستتخذ منحىً حاسماًباتجاه ضبط الحدود وستكون مصر ماضية باتجاه الإغلاق التدريجي للأنفاق، وستبحث عن حللتلبية الاحتياجات الإنسانية لغزة، ولكنها ستواجه حساسية في الأمر، فمن ناحية سيُنظرإليها وكأنها محاولة انفصال من غزة باتجاه مصر، ومن ناحية أخرى سيُنظر لها كحاجة أساسيةإنسانية للسكان، ولكنَّ هذا الأمر  يجب أن يعالجفي النهاية في إطار من التفاهم ما بين السلطة الفلسطينية ومصر للخروج من هذا الحرج،والأسابيع القادمة ستشهد مشاورات وحوارات بما يضمن قطع الطريق على المشروع الإسرائيلي.

وتابع العوض فيحديثه للـ قدس قائلاً: "إنَّ إقامة منطقة حرة على حدود غزة-مصر ربما تكون حلاًلأزمة الحصار والتخلص من أنفاق التهريب، ولكن يجب أن تكون في إطار ضابط لها بالاتفاقما بين السلطة وبين مصر لأنَّ إدارة المناطق الحرة تكون بين سلطات لها التزاماتها معمراعاة مسألة سيطرة حماس على القطاع وعدم إلقاء غزة في أحضان مصر أو إدارة المنطقةالحرة في سياق إدارة الانقسام، بل يجب أن تكون هناك خطوة باتجاه تعزيز الانفتاح الفلسطينيعلى مصر بمحاذير سياسية ووطنية لا بد من إدراكها".

وعن توقيت عمليةسيناء وعلاقتها بإدارة ملف المصالحة الفلسطينية قال العوض: "ما حدث في سيناء سيؤديلتأخير البحث في موضوع المصالحة قليلاً بسبب التوتر الذي ساد العلاقات المصرية الفلسطينية،"مشيراً إلى إمكانية عودة الأوضاع إلى الهدوء في القريب العاجل.

وشدَّد العوض علىعدم حاجتنا إلى اتفاقيات جديدة، وعلى ضرورة مطالبة القيادة المصرية الجديدة بتنفيذما تمَّ الاتفاق عليه سابقاً برعايتها، والضغط على حركة "حماس"، خاصةً وأنَّإتفاقاً كان قد عُقد في شهر أيار من العام الماضي وتم تجديده بتاريخ 20 أيار من هذاالعام، بالتوافق من "حماس" وكل الفصائل الفلسطينية، لافتاً إلى أنَّ المطلوبمن "حماس" هو البدء بتنفيذه عبر السماح بعودة لجنة الانتخابات المركزية إلىممارسة عملها ومن ثمَّ الانتقال إلى الملفات الأخرى، وعدم وضع ملف يتعارض مع الملفالآخر.

وختم العوض بالتأكيدأنَّ المطلوب هو خلق مناخات ايجابية في الضفة وغزة للوصول إلى إجراء الانتخابات التشريعيةوالرئاسية.