تقرير: امل خليفة/ رام الله - فلسطين

خاص/مجلة القدس, تواجه السلطةالوطنية الفلسطينية تحدياتٍ عدة تجاه اعتبارها دولة مستقلة، أولها التحدي الاقتصادي،باعتمادها المباشر على التحويلات الخارجية من الدول المانحة حسب الاتفاقات المبرمة،وعائدات الضرائب من الجانب الإسرائيلي ثانياً، والقليل من الصادرات الفلسطينية ثالثاً،إضافةً إلى وجود الاحتلال الإسرائيلي وسيطرته المباشرة على المعابر والمنافذ البحريةوالبرية والجوية، ما افقد السلطة قدرتها على التمويل الذاتي والمباشر. واليوم تمرُّالسلطة الوطنية بما يسمى بالأزمة الاقتصادية والتي انعكست بدورها على المواطن الفلسطينيداخل الأراضي الفلسطينية وخارجها.

 

الأزمةالمالية من منظار المواطن

يصف عريقات شقير،وهو صاحب محل لبيع المواد التموينية، الاقتصاد الفلسطيني بالضعيف ويعزو ذلك لسياسةالاحتلال الإسرائيلي التي تضغط على السلطة الفلسطينية عن طريق إصدار التصاريح للمواطنينفي الضفة الغربية خاصة في فترة الأعياد، معلِّقاً بالقول: "بالنسبة للاقتصاد فيالوطن فهو كثير ضعيف وإسرائيل أصدرت تصاريح وأخذت كل الناس عندها، ونحن نمر بأزمة اقتصاديةتؤثر كثيراً على التجار والمواطنين، والسوق يفتقر للمال. فمثلاً في الأعياد السابقةكنا نعمل أكثر بمرتين أو ثلاث في اليوم، وكنا ننتظر الأعياد بفارغ الصبر، إلا أننالم نعمل نهائيا هذا العيد، فاليهود اخذوا الناس عندهم و"مصارينا" راحوا لليهود،و"فش" اقتصاد أصلاً بالبلد والمواطن يشتري أقل من حاجته، يوم بيوم وإذا لميعمل لن يشتري. أمَّا فيما يخص السلطة الوطنية فهي تنتظر طبعاً الدول المانحة، والتيتعطي الوعود ولا ترسل الأموال، ولو أرسلتها فهذه الأموال تذهب إلى رواتب الموظفين،والموظف الذي يأخذ راتبه منقوصاً اليوم ولديه مسؤوليات من أولاد ومدارس واكل وشرب وإيجارات،لم يكن يكفيه الراتب كاملاً، فكيف والسلطة تعطي النصف، كل الشعب الفلسطيني يمر بأزمةمالية واقتصادية صعبة جداً جداً".

وللموظف الفلسطينيمعاناته تجاه تأخر أو عدم صرف الراتب الشهري، وتبدأ بالتزاماته المرهونة بالراتب وتنتهيبأكله وشربه وفواتيره. فعددٌ كبير من موظفي السلطة الوطنية ارتبطوا بديون وقروض منالبنوك معتمدين على الراتب الشهري، ولم يكن بالحسبان الانهيار الاقتصادي للسلطة المؤديإلى عدم قدرة الموظف على الإيفاء بالتزاماته. فأنور "أبو سارة" موظف في السلطةالوطنية يشرح معاناته ويقول: "الدخل الذي نجنيه من السلطة قليل ولا يفي الالتزامات.فأنا لدي طلاب جامعات وطلاب مدارس ولدي قروض من البنوك اعتمادا على الراتب، وعندمايتأخر الراتب تضع البنوك الفوائد على القروض، أي أنَّني سأبقى أسدد قرضي إلى ولد الولد،ولم يبقَ أمامي سوى التعامل بالشيكات لتأمين ما يلزم للعائلة، وهذا أيضاً سوف يتوقف،لأنَّ الأكثرية لم تعد تقبل منا نحن الموظفين الشيكات بسبب عدم وجود أرصدة لنا بالبنوك،وهذا طبيعي جداً فعندما لا ينزل الراتب كيف سيكون لنا رصيد، فالحياة فيها متطلبات كثيرةخاصة لرب العائلة، ناهيك عن ارتفاع الأسعار المستمر وتآكل الراتب.

أمَّا الخريج الجامعيرائد زيتونة فهو يبحث عن وظيفة في الوقت الذي أصدرت فيه السلطة الوطنية، وعلى لسانالرئيس محمود عباس، قراراً بوقف التعيينات والترفيعات، فيقول متحسراً: "لا تسألينيعن الأزمة الاقتصادية، بل اسأليني إن كنت اعمل أم لا، فأنا خريج جامعي منذ فترة طويلةوابحث عن عمل يناسب مهنتي ولم أجده حتى الآن، وقد عملت في عدة أمور لم يتعدَ فيها راتبي250دولارا شهريا. برأيك ماذا أفعل بهذا المبلغ؟ هل اطعم عائلتي أم نفسي أم ماذا؟، والغلاءلا يوصف في الضفة الغربية نسبة إلى الرواتب، ومن الطبيعي أن يصبح لدينا كساد بسبب غلاءالأسعار وقلة الموارد المالية للعائلة الواحدة، وللموظف الذي يدفع إيجارات خاصةً فيرام الله".

  هذا وقد أصدرت السلطات الإسرائيلية آلاف التصاريحخلال شهر رمضان المنصرم لمناطق الضفة الغربية، وقدمت التسهيلات غير المعهودة للمواطنينالفلسطينيين من خارج حدودها منها تسهيلات الدخول والتنقل في المناطق المحتلة عام1948، حيث قام العديدون بالتسوق والتجول داخلها، مما كان له آثار سلبية على الاقتصادالفلسطيني في الضفة الغربية، فتحولت القوة الشرائية إلى الداخل الإسرائيلي.

من جهته علَّقالتاجر ماهر دحو صاحب محال لبيع الملابس الجاهزة قائلاً: "فجأة أصبح لدى الشعبالفلسطيني أموال، فخرجوا للتسوق بها من إسرائيل، ونحن نتقدم بالشكر الكامل لكل مؤسساتالسلطة الوطنية الفلسطينية وخاصة الارتباط المدني، الذي حصل على تصاريح لمليون شخصوأكثر حسب جريدة القدس اليوم. فمليون شخص دخلوا إسرائيل فترة العيد.. إسرائيل التينعتبرها العدو الأوحد لنا وسمحت لمليون فلسطيني خلال شهر رمضان الدخول إلى أراضيهاالمزعومة من اجل إحباط الاقتصاد الفلسطيني وتقوية اقتصاد إسرائيل بصورة منظمة لا اعتباطية،وهذه اللعبة للأسف الشديد نقع فيها كل مرة، وما بنلاقي إلا، نحن أصحاب المحلات التجارية،شعبنا وشبابنا أول المشترين للبضائع الإسرائيلية، وبيجو بقولك هادي بضاعة إسرائيليةوبضاعة مستوطنات يجب أن نقاطعها، فكيف ذلك، وقد قدرت المبيعات الإسرائيلية للمواطنينالعرب بأكثر من مليار شيكل خلال شهر رمضان وهذا حسب الاقتصاديين الإسرائيليين، فلماذاهذا التوجه الآن، سوى لتحطيم الاقتصاد الفلسطيني ورفع الأزمة عن الاقتصاد الإسرائيلي،ونحن للأسف الشديد لبينا هذا الطلب وذهبنا مسرعين وكأن البضائع الإسرائيلية أفضل.

أمَا المواطن عمرصباح تاجر المكسرات في رام الله فكان له رأي مختلفٌ حول الأزمة الاقتصادية الفلسطينية،حيث اعتبر أنَّ لكل مواطن قدرته الشرائية المختلفة وعلى ذلك يجب أن تكون مشترياته،دون التفريق بين غني أو فقير، واعتبر أنَّ العيد للجميع مستنكرا بقوله: غير صحيح أنهناك أزمة اقتصادية فالعيد عيد، للفقير وللغني ويجب تلبية الاحتياجات للأطفال والأسرةقدر المستطاع. أمَّا بخصوص الأزمة المالية التي نمر بها فعلاً، فمنذ عشر سنوات لم نلاحظهذا العدول عن الشراء، ويمكن أن تكون الأزمة المالية التي تمر بها السلطة سبباً منالأسباب أو حتى سببا رئيسياً، وهناك أيضاً أسباب أخرى، فإسرائيل أصدرت بعض التصاريحلأسباب إنسانية كما يُقال، ولكنَّها بتقديري ليست أسباب إنسانية بقدر ما هي حالة اقتصاديةمدمرة لدى الاحتلال والمجتمع الإسرائيلي أو الاقتصاد الإسرائيلي، وهذا الأمر اثَّرعلينا سلباً بما لا يقل عن 40 % من المبيعات المنتظرة خلال فترة شهر رمضان والعيد".

 

الأزمةالمالية بين الأبعاد والتداعيات

من جهته أكد عميدكلية الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية د. طارق الحاج إنَّ الأزمة المالية التي تمربها السلطة الوطنية لا تنفصل عن الأزمة المالية التي يمر بها العالم بأسره، ونحن كسلطةفلسطينية نعتمد بشكل كبير جداً على المساعدات والدعم الخارجي، والذي رافق عملية السلامواتفاقية أوسلو، حيث تعهدت الدول المانحة بتقديم الدعم الكافي للسلطة الفلسطينية وخاصةفيما يتعلق بدفع الرواتب والأجور في القطاع الحكومي للموظفين والبالغ عددهم تقريباً160 ألف موظف ويقول: " لا تزال تلك الدول _وخاصة الاتحاد الأوروبي_ والتي تعهدتبالدفع، مصابةً بأزمة مالية ومن الطبيعي بالتالي أن نتأثر على المستوى الفلسطيني، لذانلاحظ تقطع الدعم، وهذا ينطبق على الدول العربية أيضاً والتي لم تف بالتزاماتها تجاهالسلطة الفلسطينية بتقديم المستحقات المالية المترتبة عليها، وهذا جانب، أمَّا الجانبالثاني الذي أدى إلى هذه الأزمة فهو الجانب الإسرائيلي والذي التزمنا معه للأسف الشديدجداً باتفاقيات ذات اتجاهين، منها اتفاقيات أمنية وسياسية واتفاقيات اقتصادية، والجانبالإسرائيلي كعادته لم يلتزم بأي من هذه المحاور، بعكس الجانب الفلسطيني الملتزم بكلالاتفاقيات، وأهمها اتفاقية باريس الاقتصادية التي تقيد السلطة الفلسطينية فيما يتعلقبرفد خزينة الدولة بالمال وفيما يتعلق بجلب استثمارات خارجية ووضع مصادر إنتاجية منخلال المصانع وخلافه. وفيما يخص جلب الاستثمارات فإنَّ إسرائيل تمنع أصحاب رؤوس الأموالوالأموال من الدخول إلى الأراضي الفلسطينية، كما تمنع استيراد مستلزمات العملية الإنتاجيةعلى المستوى الداخلي وخاصة المواد الخام والآلات، والأمر الأكثر أهمية هو  أنَّ إسرائيل تفرض أيضاً القيود أمام التصدير إلىالخارج، مما يعني أنَّ قدرتنا على الاعتماد على الذات من خلال التجارة الخارجية معدومةتقريباً، وهذا بمجمله أجبر السلطة الفلسطينية على الاعتماد فقط على المساعدات الخارجية،هذا عندما تكون المساعدات وفيرة، أمَّا عندما تشح الأموال عند المانحين فتصبح المشكلةأكبر وقد بدأنا نلمس آثارها ونتائجها".

وعن الخطورة المحدقةباستمرارية السلطة الوطنية الفلسطينية في ظل هذه الظروف الصعبة، أكد الحاج أنَّ هناكأكثر من خطورة تواجه السلطة وعلى مستويات عدة، ما يتطلَّب التوافق على المستوى الداخليللحفاظ على الانجازات بقوله: "هناك الخطورة السياسية والاقتصادية والاستمرارية.وبالنسبة للخطورة السياسية فيكمن الخوف في اضطرارنا أو إجبارنا على مواجهة ردود الفعلالفلسطينية تجاه مؤسسات السلطة بمعنى أن يتحول النكاف والصراع من الصراع مع الجانبالإسرائيلي إلى صراع بين الشعب الفلسطيني والهيئات السياسية، والخطورة الأخرى تكمنباضطرار بعض القيادات السياسية الفلسطينية لتقديم تنازلات سياسية بغرض توفير لقمة العيشلأبناء الشعب الفلسطيني، لذلك نلاحظ أنَّ القيادة العليا الفلسطينية أصبحت تركز علىالعمل السياسي الخارجي، وهذا الأمر أصبح يعطي الثقل الايجابي تجاهنا  والأثر السلبي تجاه إسرائيل، وهذا ما أكد عليه وزيرالخارجية الإسرائيلي ليبرمان ومفاده أنَّ القيادة الفلسطينية الحالية خطيرة جداً، علماًأنَّ المطالب التي تقدمها السلطة هي مطالب شرعية واقل من طبيعية، ومطالبنا في الأممالمتحدة هي في أن نكون عضواً لا أكثر ولا اقل، فنحن لا نطالب بتصنيع القنبلة الذريةأو النووية، ولكن الخطورة الأخرى التي تكمن في الأثر الاقتصادي وتحويل جزء كبير منالشعب الفلسطيني إلى آلة استهلاك والجزء الآخر إلى آلة استخدام لدى إسرائيل كعمال،سوف تثقل كاهلنا على المدى البعيد، والخطر الكبير الذي يواجهنا أيضاً كشعب لديه قضيةهو فتح أبواب الهجرة أمام الشباب الفلسطيني إلى الخارج هو أيضا تفريغ مبرمج لأسباباقتصادية، خاصةً وأنَّ الصراع الاستراتيجي والصراع الأساسي الذي لا يمكن أن يتغلب عليهأحد هو الطابع الديموغرافي لواقعنا كفلسطينيين، وهذا الوجود الذي لم يتمكن الإسرائيليونمنه لا على المستوى السياسي ولا الأمني ولا التاريخي، لذا فهم اليوم يحاولون التغلبمن خلال الوضع الاقتصادي، من هنا ندعو كافة الفصائل الفلسطينية إلى التغاضي عن الخلافاتلأن الوطن والقضية الفلسطينية اكبر من الجميع".

ر