فتح ميديا-لبنان/ خاص مجلة القدس

بفعلتصاعد الأحداث وازدياد تأزم الأوضاع في سوريا ولاسيما في المخيمات الفلسطينية عقب الاشتباكاتالتي جرت في مخيم اليرموك في دمشق ما أدى إلى مقتل عدد من الفلسطينيين المقيمين فيه،نزحت العديد من العائلات الفلسطينية من مناطق عدة منها مخيم اليرموك والتضامن والحجرالأسود والست زينب وضواحي مدينة دمشق إلى لبنان بحثاً عن الملاذ الآمن، فاستقروا بمعظمهمفي المخيمات الفلسطينية وخصوصاً في عين الحلوة بحسب إحصاءات اللجان الشعبية الفلسطينيةفي لبنان.

تحقيق:ولاء رشيد

وللوقوف على حيثياتأوضاعهم وموقف المؤسسات الإجتماعية والهيئات المعنية منهم، كانت لنا لقاءات مع أمينسر اللجان الشعبية الفلسطينية في لبنان أبو إياد شعلان، ومديرة اتحاد المرأة في لبنانآمنة سليمان، ومدير خدمات مخيم عين الحلوة فادي الصالح، والمدير التنفيذي لجمعية عملبلا حدود-نبع ياسر داوود، وبعض العائلات النازحة من سوريا.

 

الخدماتبين المفروض والموجود

حول الإحصاءاتالخاصة بأعداد النازحين أشار أبو إياد إلى أنَّ إحصاءات اللجان الشعبية أفادت حتى تاريخ23/8/2012 عن دخول 1306 عائلات إلى الأراضي اللبنانية، خلا العائلات التي تمكنت مناستئجار المنازل خارج المخيمات ولم تُشمل بالتالي في الإحصاءات. بدوره أشار الصالحإلى أنَّ بعض العائلات تتأخر في تسجيل أسمائها رغم قيام الأونروا بوضع إعلان لكي يتوجهالفلسطينيون وحتى السوريون المتزوجون من فلسطينيات من لبنان لتسجيل أسمائهم لدى مكاتبها،في ظل عجز الباحثات الاجتماعيات عن زيارة العائلات بحكم محدودية عددهن مقابل تعدد القضايالديهن، وفجائية هذا الحدث الطارئ.

أمَّا بخصوص التعاونالقائم بين الجهات المعنية، فلفتت سليمان إلى أنَّ اجتماعاً بين المؤسسات الإجتماعيةوالأونروا كان مُزمعاً عقدُه ولكنَّه تأجَّل إلى ما بعد عيد الفطر، مشيرةً إلى أنَّالأونروا حتى الآن لم تقدِّم شيئاً يذكر سوى تسجيل النازحين، وتقديم الطبابة لهم أسوةبالفلسطينيين المقيمين في لبنان بالتعاون مع الهلال الأحمر القطري، باستثناء التحويلاتإلى المستشفيات والتي لم تقدَّم رغم وجود العديد من الحالات الصحية الحرجة، معلقةًبالقول: "الأونروا حالياً لا تعتبر هذا الحدث أزمة كبيرة لأنَّ عدد النازحين غيركبير بنظرهم ولأن بعضهم ينزلون في بيوت أهلهم". من جهته علَّق أبو إياد حول الموضوعقائلاً: "تمَّ التواصل بيننا وبين مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الإجتماعيةلتسهيل مهام الأونروا،كما التقينا المدير العام للأونروا في لبنان روجر ديفيس واتفقنامعه على مجموعة من القضايا منها مسألة الإقامة فطالبنا الأونروا بالتدخل وتمَّ الاتفاقبين مدير الأونروا والمدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم الذي تعهدالتواصل مع الجهات اللبنانية، إضافةً إلى تقديم الخدمات التعليمية والصحية للنازحين،غير أنَّ الأونروا لا تقدم التحويلات لأنَّ الميزانية الطبية المخصصة لفلسطينيي سورياستأخذ وقتاً لتحوَّل إلى لبنان"، مشيراً إلى أنَّ الأونروا حتى الآن لم تأخذ دورهاولم يتم اعتماد نظام أو تشكيل طاقم وموازنة إغاثة للاجئين. بدوره رأى ياسر داوود أنَّالأونروا هي مظلة الخدمات ولكنَّها بحسب قوله: "لا تلعب حالياً سوى دور المراقب،فهي لم تطرح خططها المقبلة وقد يعود هذا لمحدودية ميزانيتها في الوقت الراهن. وتكمنالمشكلة في أنَّ الأُسر السورية الأصل لديها مستوىً من الإتاحة من قِبل  وكالة "UNHCR"، بينما الفلسطيني يُحتسب منمسؤولية الاونروا"، مشدداً على أهمية التمييز بين المساعدات المؤقتة التي تُعطىفي رمضان لكافة المحتاجين، وبين المساعدات الهادفة والموجهة للنازحين الذين يعانونمشاكل عدة، ومضيفاً بأنّ الفصائل السياسية بدورها لم تعلن موقفاً واضحاً باستثناء السفيرأشرف دبور مثنياً على دوره في متابعة الموضوع مع مختلف الجهات ومنوهاً بدور اللجانالشعبية وإطلاعها عن كثب على مشاكل النازحين. وفي الإطار نفسه، قال الصالح: "نقومأحياناً بعقد اجتماعين إلى ثلاثة في الأسبوع مع اللجان الشعبية ومؤسسات المجتمع المحليمن أجل تنسيق دورها التكاملي ومنع حدوث أي تعارض أو عدم تنسيق في الخدمات والمساعدات،أمَّا الفصائل السياسية فلا تعاطي بيننا إلا في مشكلة إقامة النازحين وفقدان أوراقهمالثبوتية وقد أصبح هذ الموضوع من مسؤولية منظمة التحرير التي تتابعه عبر تواصلها معاللجان الشعبية التي تتواصل بدورها مع السفارة".

 

أدوارمتعددة ومساعدات متباينة

من جهتها توَّلتاللجان الشعبية عملية التعاون مع المؤسسات التي تؤدي خدماتٍ على الأرض، والاتصال مركزياًبمؤسسات العمل الدولي باذلةً ما أمكنها من الجهد والوقت، بحسب أبو إياد الذي قال:"نسقنا مع منظمة التحرير عبر اتحاد المرأة الذي ساهم بمساعدات كبيرة، واجتمعنابالمؤسسات الإنسانية والإجتماعية من أجل وضع خطة عمل تنظيمية، فبعض المؤسسات قدَّمتمواداً غذائية ومالية فيما منحت أخرى العائلات المضيفة أدوات تنظيفات وتجهيزات أُخرىكالفرشات والأغطية، علماً أنَّ هذه المساعدات لا تحقق الإكتفاء للنازحين لأنَّها لاتلبي سوى حاجاتٍ مؤقتة، إضافةً إلى أنَّ الاهتمام الأكبر مسلط على المقيمين في المخيماتوذلك بسبب الافتقار لإحصاءات دقيقة بأوضاع المقيمين خارجها، في ظل الإمكانات المحدودةلدى اللجان الشعبية. وحالياً نسعى لتفعيل الأداء في شق التوثيق عبر القيام بإعلاناتعبر السيارات والمساجد لدعوة النازحين للقدوم إلى مراكز معينة لتسجيل أسمائهم ونقلأوضاعهم". وفي السياق نفسه، لفتت سليمان إلى قيام اتحاد المرأة بمساعدة بعض العائلاتالسورية الأصل المحتاجة للمساعدة معلقةً بالقول: "برنامج الاتحاد لا يميز في الجنسيةبل يعمل على مساعدة المحتاجين"، لافتة إلى قيام عضوات الاتحاد بتوزيع مساعداتمالية ومادية، ومتابعةً: "كما قد جاءت مكرمة من الرئيس بقيمة 50000دولار كانتمرسلة في الأساس للحالات الصعبة ولكن بسبب الظروف الحالية تقرَّر توزيعها على النازحينعلى صعيد المناطق كافةً لتخفيف معاناتهم. كذلك فعلى صعيد مؤسسة الرعاية والأسرة، قمناببعض الافطارات في صور وصيدا وطرابلس وبيروت. ونسعى حالياً  لمساعدة الحالات الحرجة من النازحين، إلى جانب العملعلى مساعدة ذوي الإعاقات عبر تحويلهم لمركز العلاج الفيزيائي. ونحن بصدد الإجتماع كهيئةإدارية لمحاولة الخروج بما يمكننا تقديمه ضمن الخطوات المقبلة". أمَّا داوود فلفتلقيام مؤسسة نبع بالتواصل مع النازحين في ثمانية مخيمات في لبنان هي عين الحلوة، والميةومية، والرشيدية، والبص، ونهر البارد، والبداوي، وبرج الشمالي، والجليل عبر زيارتهموملء استمارات ببياناتهم، مشيراً إلى أنَّ نبع تقوم بتقديم حزمة تنظيفات للأسرة المضيفةوقسائم ملابس للأسرة النازحة بقيمة 60دولاراَ، إلى جانب المساعدات الغذائية والمساعداتالعاجلة، مناشداً أن تؤخذ بالإعتبار مسألة تنشيط السوق المحلي عبر إعطاء القسائم وشراءالمساعدات من المحلات الموجودة في المخيمات. فيما علَّق الصالح قائلاً: "الأونرواتعمل حالياً ضمن إمكانياتها المادية المحدودة بفعل فجائية هذا الظرف، ولكنَّها أصدرتأمراً بتقديم الخدمات الصحية والتعليمية للنازحين أسوةً باللاجئين الفلسطينيين في لبنانوسُيصار إلى استيعاب جميع الطلاب النازحين في المدارس مع بداية العام الدراسي، رغمأنَّه قد تنشأ أزمة بسبب اختلاف المنهج الدراسي بين سوريا ولبنان". وحول مسألةالعمليات والتحويلات إلى المستشفيات قال الصالح: "تمَّ التعاقد بيننا وبين الهلالالأحمر القطري منذُ بضعة أيام فحسب من أجل تغطية تكاليف العمليات. وقد تمَّ رفع طلبعاجل من قبل إدارة مكتب لبنان إلى المفوض العام من أجل تأمين الدعم الكافي، وعلمنابأنَّ المفوض العام قام بزيارة للبرازيل واليابان في محاولة لتحصيل تمويل لمشاريع الطوارئوالإغاثة"، مشدداً على أنَّ المفارقة تكمن في أنَّ نسبة مساهمة الدول العربيةفي دعم الأونروا لا تتجاوز 5%، في حين يشكل دعم أميركا والاتحاد الأوروبي أكثر من90%، وداعياً الجهات العربية والدول المانحة لرفع سقف تمويلها. كما لفت الصالح إلىأنَّ الأونروا لن تنكر مسؤوليتها في حال استمرارية الأزمة، لجهة الدعم مالياً وتأمينالعمل للنازحين، مشيراً إلى أنَّ هذا الأمر هو من مسؤولية أربعة أطراف هي الدولة المضيفة،والأونروا كخدمات، ومنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني، ومؤسسات المجتمع المحلي،ومؤكداً أنَّه في حال استمرار العجز المادي فسوف يصار إلى وضع خطط عمل مع الأطراف الأربعةلتنسيق المساعدات.

 

معاناةلا تنتهي

هناء هي إحدى نماذجالنازحين. توجَّهت وزوجها وعائلة شقيقتها من مخيم التضامن إلى مخيم اليرموك، ولكنَّهمما لبثوا أن غادروه بفعل تصاعد وتيرة القصف عليه إلى بيت أهلهم الكائن في مخيم عينالحلوة، غير أنَّ زوج هناء لم يتمكن من العبور، ما جعلها ترفض إعطاءنا إسمها الكاملمنعاً لأيَّة مشاكل قد يواجهها زوجها برأيها. واليوم هي مقيمة منذ شهر في لبنان، وحاملبتوأم ستلدهما في آواخر شهر أيلول، وتكمن مشكلتها في عدم حصولها على تحويل من الأونروا،فتقول هناء: "ليس لدي تحويل وأخبرني الطبيب أنَّ ولادتي ستكون قيصرية، ولكننيتواصلت مع الأخوات في اتحاد المرأة، والحمد لله فقد قدَّمت لي مؤسسة قطرية المساعدةوتكفَّل الاتحاد بباقي المبلغ"، لافتة إلى أنَّ ابن شقيقتها البالغ من العمر خمسسنوات تعرض لأزمة ربو ولم يتم إعطاؤه تحويلاً من قبل الأونروا ما دفعهم للاستنجاد بالمؤسساتالمحلية من أجل تغطية كلفة علاجه في ظلِّ الظروف المادية الصعبة التي يعانونها. وعنالمساعدات التي تمَّ تزويدها بها تقول هناء: "وصلنا مبلغ 50000 ل.ل من حركة"فتح"، ومواد غذائية من مؤسسة نبع، إلى جانب منح إتحاد المرأة لنا مساعداتغذائية ومالية، وجهاز للأطفال من عدة قطع تقدمة أحد أصحاب المحلات في المخيم، غير أنَّهذا غير كافٍ في ظلَّ الظروف التي نعانيها، خاصةً وأنَّ الأونروا لم تقم بزيارتنا أوالاطلاع على أوضاعنا".

  نموذج آخر هو عائلة مؤلفة من إثني عشر فرداً بينهمسبعة أطفال وأربع نساء رفضوا بدورهم إعطاء إسم عائلتهم خوفاً من أيَّة تبعات قد تطالالازواج وأشقاءهم الموجودين في سوريا. وهم قدموا إلى بيت خالتهم التي تعاني بدورهاضائقة مالية، فاتفق بعض فاعلي الخير على إصلاح غرفة ضيقة يلاصقها مطبخ، باتوا يسكنونهاجميعاً رغم عدم احتوائها على أدنى مستويات التجهيزات من غاز وبراد وفرش وحتى تهوئةسليمة. وتقول ياسمين إحدى النساء: "أنا حامل في شهري الثاني، ولم أُعاين حتى الآن،ولم أُسجَل حتى في ملفات الأونروا إلا مؤخراً لعدم تمكني من الذهاب لمكتبهم، ولم نحصلعلى أّيّة مساعدات باستثناء التموين من بعض الجهات ومساعدة مالية من إتحاد المرأة".

ولا تختلف قصةدينا محمد عن قصص هؤلاء النازحين، فهي تقيم وعائلتها منذ شهر في منزل والدها سليم عيسىمحمد في عين الحلوة مع شقيقتها وبناتها الأربع، ووالدتها وعمتها المسنتين واللتين تعانيانمشاكل صحية عدة، ما يجعل مجموع القاطنين في المنزل المؤلف من غرفتين ومنافعهما أكثرمن ثلاثين شخصاً. وعن المساعدات التي يحصلون عليها تحدثت دينا عن بعض المؤن وأدواتالتنظيف التي قدَّمتها بعض الجهات، إلى جانب مبلغ 50000ل.ل أُعطيت لهم من قِبَل حركة"فتح"، مشيرةً إلى قيام مندوب من اللجان الشعبية بزيارتهم لملء استمارة ببياناتهمووضعهم. أما عن أبرز المشاكل التي يعانونها فتقول دينا: "نعاني من الإكتظاظ العدديوانعدام الموارد المادية، إضافةً إلى احتياجات الأطفال، والتهوئة غير الصحية في وجودطفل يعاني حساسيةً في جهازه التنفسي، هذا عدا عن أنَّ حفيدتي قد نالت شهادة البكالورياولا نعرف حتى الآن كيف ستتمكن من متابعة دراستها".

إذاً هو واقعٌمرير تعانيه العائلات النازحة. فمن جهة هي فاقدة لكل مقومات العيش الأساسية من مأكلوملبس ومسكن، ومن جهة أخرى هي فاقدة للإهتمام والمساعدة الكافية من المحيط. فإلى متىستمتد هذه الأزمة؟ وماذا سيكون مصير هؤلاء النازحين في حال استمرارها في ظل الغيابشبه التام لأيِّ دور فعلي وأيِّ طرح أساسي لحلول بديلة؟