تحقيق: أحمد مصطفى

خاص/ مجلة القدس، تشهد المخيمات الفلسطينية حركة عمرانية ضمن ما يعرف بمشروع ترميم الوحدات السكنية المتضررة الذي أطلقته الأونروا مؤخرا ليتناول كافة المخيمات الفلسطينية في لبنان، ففي حين أن المشروع يتناول ترميم 740 وحدة سكنية فإن عدد المتقدمين للأونروا يتجاوز 4000 طلب مما دفع الأخيرة لقبول الطلبات وفق معيارين رئيسيين، الأول معيار الحالة الصحية لأفراد العائلة والمعيار الثاني الحالة الاجتماعية للعائلة، فنجح عدد من الطلبات في حين تم رفض الطلبات الأخرى، فتوالت بذلك ردود الفعل بين قلة مؤيدة وأغلبية معارضة. الأمر الذي دفعنا لنقف عند هذا المشروع لنبين إيجابياته وسلبياته بشكل عام وخاصة لجهة قيام الأونروا بمثل هذه المشاريع، بالإضافة إلى كيفية التعاطي والتعاون المشترك بين اللجان الشعبية والأونروا وصولا إلى تنفيذ المشروع.

 

وهنا وقفنا عند مخيم الجليل في بعلبك نستطلع آراء اللجان الشعبية والأهالي حول هذا الموضوع، بحيث أعرب هؤلاء عن تحفظهم على بعض النقاط في تنفيذ المشروع والمعايير التي اعتمدها قسم الهندسة التابع للأونروا، إلا أنهم أكدوا أن ما تقوم به الأخيرة ليس كافيا لكنه خطوة إيجابية نظرا لما يعانونه من وضع اقتصادي واجتماعي صعب يعيق تمكّنهم من ترميم منازلهم بأنفسهم.

فمخيم الجليل كما أفادنا أمين سر اللجنة الشعبية لمنظمة التحرير الفلسطينية عمر قاسم هو صغير الحجم تبلغ مساحته 4300م2 وعدد سكانه حسب الإحصائيات الرسمية للأونروا يقارب 6700 نسمة. ويعاني أهل المخيم من وضع اقتصادي واجتماعي صعب وخاصة في فصل الشتاء تبعا لظروف منطقة بعلبك ومناخها، فضلا عن انتشار البطالة عند قسم كبير من الطبقة العاملة وتردي أجر العاملين. هذه الظروف مجتمعة تجعل من الصعب على أبنائه التوسع خارج المخيم مما يدفعهم إلى البناء داخل المخيم، لذلك شاهدنا توسعا داخل المخيم بشكل أفقي ومن ثم بشكل عامودي دون مراعاة معايير السلامة والأمن وصلاحية السكن في هذه المنازل مع مرور الوقت، وهو الامر الذي أدى في النهاية إلى انعدام التهوية والنور عن عدد كبير منها، وكذلك انتشار عوامل الرطوبة والنش وتصدع الأبنية مما أحدث حالات مرضية مزمنة لعدد كبير من أبناء المخيم نتيجة عدم صلاحية السكن في الوحدات السكنية. من هنا كان واجب الأونروا أن تقدم لأبناء الشعب الفلسطيني الخدمات اللازمة تخفيفا لمعاناتهم. وأكد قاسم أن المخيم من الناحية العمرانية يعاني من مشكلتين: الأولى في البناء العشوائي والمنازل المتضررة، والثانية هي في المباني الفرنسية القديمة التي بدأت تتساقط أجزاء من أسقفها وجسورها وركائزها الأساسية. فركزنا في تقريرنا هذا على نقطتين: النقطة الأولى مشروع الترميم والنقطة الثانية المبنى الفرنسي الأوسط.

 

أولا: مشروع الترميم:

أوضح عضو اللجان الشعبية أسامة عطواني أنه كان مقدرا لمخيم الجليل في البدء 17 وحدة سكنية في حين أن عدد المتقدمين بطلبات الأونروا يتجاوز عددها 120 طلبا وهو الأمر الذي رفضته اللجان الشعبية، مطالبة الأونروا اعتماد ترميم كافة المنازل المتقدمة بالطلبات. وبعد عدة لقاءات مع قسم الهندسة تم التوصل إلى صيغة مشتركة على أن يصار ترميم المنازل على ثلاث مراحل معتمدين على المعايير التي يضعها قسم الهندسة لتحديد الأولوية. وعلى ضوء هذا الإتفاق ونتيجة مسح فريق من قسم الهندسة للمنازل نجح 48 منزلاً على أن يصار ترميمها عبر مرحلتين بالإضافة إلى مرحلة ثالثة طويلة الأجل للمنازل المتبقية دون تحديد موعد معين. وعليه وقعت اللجان الشعبية على هذا الإتفاق الذي تضمن كافة المنازل دون استثناء أحد.

كما وسجل عضو اللجنة الشعبية  وليد عيسى ملاحظاته حول المعايير المتبعة في الحالات المستفيدة من الترميم. إذ انه في حال ان كان صاحب المنزل مصابا بمرض مزمن أو سرطان يحصل على مئة علامة مباشرة. أما المئة الأخرى فكانت تحسب حسب الوضع الإجتماعي للأسرة. وهنا تكمن الإساءة بحيث إذا ما وجد في المنزل تلفزيون أو براد أو سخان للمياه...إلخ  فإنها تحسم من المئة العلامة المتبقية. وهنا يعتبر أن البحث الذي أجرته الأونروا فاقد لأبسط مقومات الأخلاق المهنية والمقصود هنا انعدام وجود معيار الحالة الهندسية للمنزل.

كما وأكد أن اللجان الشعبية رفضت التوقيع على الكشف المجتزأ بل أصرت على توقيع كامل الكشف دون استثناء، كما رفعت اللجان الشعبية مذكرات احتجاج للمدير العام السيد لمباردو ولرئيس قسم الهندسة وذلك على الطريقة المتبعة بتصنيف العائلات، مطالبة أن يشمل الترميم الجميع دون استثناء مع العلم أن هناك حالات تحتاج إلى صيانة منزلها بصورة عاجلة خاصة حالات الأمراض السرطانية، وحالات كمنزل الحاج نبيل كايد الذي أنذرتهم الأونروا بضرورة ترميم منزلهم بأقرب وقت ممكن دون أن يشمله الترميم.

وأعلن كارم طه "للقدس" عن اتفاق كان قد تم بين اللجان الشعبية والأونروا وذلك بتحويل استفادة المخيم من هذا المشروع إلى مخيمات ثانية مقابل أن يتم إنجاز مشروع لترميم المنازل  وإنشاء محطة لتوليد الكهرباء في بعلبك على وجه الخصوص. وهو الأمر الذي لم يحدث بل أن الأونروا قامت بإرسال باحثين اجتماعيين لإعداد بحث عن الأوضاع الصحية والمعيشية للمتقدمين بطلبات وذلك بالتعاون مع اللجان الشعبية ضمن ما يعرف بالشراكة.

 

أهالي المخيم:

بالرغم من تفاوت آراء الأهالي بين مؤيد لبعض نتائج وإفرازات المشروع وبين معارض بشكل عام عن ما تم العمل به أثناء إعداد وإنجاز المشروع، إلا أن الجميع هنا سجل ملاحظة إيجابية تجاه الأونروا التي تقوم بتنفيذ مثل هذه المشاريع في ظل ظروف إقتصادية قاهرة يعيشها أبناء شعبنا الفلسطيني شاكرين بذلك السيد لمباردو مدير عام الأونروا على جهوده التي يبذلها من أجل التخفيف من معاناة أهل المخيم. فيما سجل آخرون ملاحظات سلبية تجاه الشركة تارة واتجاه المعايير التي وضعها قسم الهندسة لقبول الطلبات تارة أخرى واتجاه الخدمات الناقصة من حيث التمويل في انجاز الترميم للمستفيدين تارة ثالثة.

وقد أفادنا أحد وجهاء المخيم في هذا التقرير، أن قرار الأونروا بالشراكة مع اللجان الشعبية هو جيد في عنوانه سيئ في باطنه. وفي حين أسعد هذا القرار اللجان الشعبية إلا أن الأونروا كانت تريد إيقاع اللجان الشعبية في فخ يدفعها للتصادم مع الأهالي  من خلال جعلها تحدد أسماء الدفعة الأولى من الترميم  وهو الأمر الذي رفضته اللجان الشعبية طالبة من الأونروا تحديد الكشف حسب رؤيتها وحسب المعايير التي وضعها قسم الهندسة، ولكن هناك بعض المساومات تمت وهذا ما أكده عدد من أعضاء اللجان الشعبية في حين البعض الآخر لا يعلم بما جرى اصلا.

أما يوسف كايد  وهو أحد المتقدمين بطلبات الترميم منذ فترة طويلة ولم يحالفه الحظ حتى هذه اللحظة، أفادنا ان منزله يعاني من تفشي  عوامل النش والرطوبة في أسقفه وجدرانه، الأمر الذي دفعه الى استحضار احد مهندسي قسم الهندسة الى منزله بالرغم من محاولة عدد من اعضاء اللجان الشعبية منعه. وعندما رأى المهندس حالة المنزل قال ان المنزل بحاجة الى ترميم بأسرع وقت ممكن دون ان يعطيه موافقة خطية بذلك وهو الأمر الذي يعني عدم مصداقية في تعبئة الاستمارات. وهذا ما حصل لكثير من أهالي المخيم إذ كانت تهمل طلباتهم أمثال منزل اياد عبد الله الحاج ومنزل عائلة المرحوم ابراهيم جبر ومنزل المرحوم احمد نايف جمعة وغيرهم الكثير، في حين ان هناك حالات استفادت لاكثر من ثلاث مرات منذ خمس سنوات تقريبا.

أما من استفاد من خدمات المشروع كعادل الحاج ومحمد حمدان وعزيز جمعة أفادونا أن المشروع الذي قدمته الأونروا جيد في ظل الظروف التي يعيشها اهالي المخيم  الا أنه غير كاف من حيث التمويل، فالأموال التي دفعت والشروط التي وضعتها الأونروا لا تفي بالغرض، مطالبين اللجان الشعبية، كونها المخولة رسميا الحديث باسم أهالي المخيم امام الأونروا، أن تتحمل كامل مسؤوليتها بمصداقية وشفافية والعمل على تخفيف معاناة الاهالي فيه.

 

ثانيا: البناية الوسطى:

البناية الوسطى كما أفادنا مسؤول جبهة النضال الشعبي أسامة عطواني يزيد عمرها على الثمانين عاما وتعاني من عوامل النش وتآكل الباطون وتصدع أسقفها وجسورها وركائزها الأساسية. وبالرغم من أن الأونروا أنجزت مشروع "رفع الخطر" لترميم المبنى نهاية عام 2011  (أسماه مشروعاً تجميلياً للمنظر أشبه بمكياج العجوز) الا أن هذا المشروع لم يرفع الخطر وما تزال المشكلة قائمة نتيجة غياب الرقابة على تنفيذ المشروع وسوء التنفيذ من قبل المتعهد. وبعد أن تهاوت أجزاء من أسقف المبنى وظهور الحديد الذي تآكله الصدأ  وبعد تصدع الجسور وركائز المبنى الأساسي، دب الذعر والخوف بين الأهالي  مما دفع اللجان الشعبية الى التحرك ورفع الصوت وارسال مذكرات احتجاج الى المدير العام للأونروا مطالبين اياه عمل ما يلزم لرفع الخطر عن الناس.

وعبر وليد عيسى عن تخوفه حول موضوع المبنى الأوسط بحيث قال أن أبسط العلوم الهندسية تقول في حال تجاوز عمر أي مبنى الستين عاما يخضع المبنى لمراقبة دائمة لإبقاء الإحاطة بصلاحيته. وأكد ان اللجان الشعبية رفعت مذكرات منذ أكثر من اثنتي عشرة سنة للأونروا مطالبين فيها المدير العام ايجاد الحلول العلمية المناسبة لهذ المبنى. وقال عن مشروع "رفع الخطر" انه عبارة عن تجميل للمنظر فقط فلا تزال المشكلة قائمة بسبب سوء التنفيذ. وبعد انهيار مبنى الأشرفية في بيروت والضجة الإعلامية التي توالت في لبنان حول المباني القديمة تم تكليف لجنة من قسم الهندسة برئاسة المهندس محمد عبد العال لاعداد تقرير عن حالة المبنى. وفي اجتماع بين اللجان الشعبية وقسم الهندسة قدمت فيه اللجان الشعبية شرحا مفصلا عن حالة المبنى وتاريخ انشائه وعن التصدعات التي حدثت بعد عملية التجميل. كما عبروا عن مخاوفهم من النتائج التي قد تنجم في حال تمت ازالة المبنى، مطالبين بالقيام بتدعيم المبنى ومن ثم تفريغه من محتواه حتى لا يكون هناك شك حول خطورته.

وعلى مستوى الحراك الشعبي والجماهيري قام عدد من الجمعيات الأهلية والنسائية بالتعاون مع الأهالي باعتصامات امام مكتب الأونروا في مخيم الجليل. وقدمت سميرة أبو الفول عضو اللجنة الشعبية لمنظمة التحرير الفلسطينية مذكرة للمدير العام للاونروا باسم المنظمة النسائية الديمقراطية "ندى" محملة اياه المسؤولية الكاملة في حال تعرض اي شخص للأذى من جراء سقوط اجزاء من المبنى، ومطالبة اياه العمل بشكل عاجل على حل مشكلة المبنى، كما حملت اللجان الشعبية المسؤولية لقبولها عملية "رفع الخطر" التي لم تعالج المشكلة ولم ترفع الخطر بشكل نهائي. كما وناشدت الدولة والاونروا بلدية بعلبك والسفير الفرنسي والمرجعيات الفلسطينية العمل على تخفيف معاناة اهل المبنى. وردا على مذكرة سميرة ابو الفول أرسل المدير العام للاونروا رسالة الى المنظمة النسائية الديمقراطية "ندى" جاء فيها ان أمر المبنى على سلم أولوياته وهو يعمل على اتخاذ الإجراءات اللازمة منذ فترة، وانه أرسل فريقاً من قسم الهندسة لإعداد تقرير عن حالة المبنى ليستخدم نتائجه كركيزة لاعداد مشروع يقدمه للجهات المانحة ليتم تأمين التمويل اللازم له دون ان يخفي ارتباط نجاح المشروع بحجم التمويل له. وفي حال لم تلتزم الاونروا بوعودها والعمل على تنفيذ مشروع نهائي برفع الخطر بحق وبشكل نهائي عن المبنى، أكد عماد الناجي مسؤول الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في بعلبك انه سيكون للجان الشعبية موقف وستعمل بالتعاون مع الأهالي والجمعيات الأهلية على القيام باعتصامات وإجراءات فعلية تحث الاونروا على تنفيذ المشروع لتدعيم المبنى ورفع الخطر عن الناس، كون ان فريقاً من المهندسين حذروا من خطورة وضع المبنى على السكان ووجوب الإسراع في تنفيذ ترميمه دون اي تباطؤ. فيبقى بذلك ان تتحمل الاونروا واللجان الشعبية المسؤولية الكاملة لتخفيف معاناة الأهالي.