حل موعد السادس والعشرين من يناير، وانتهت اللقاءات الاستكشافية في وزارة الخارجية الأردنية بين وفدين فلسطيني وإسرائيلي، برعاية ومبادرة أردنية كريمة، انتهت إلى لا شيء! وكل هذا متوقع، لأن الائتلاف الحالي الذي يقوده نتنياهو ليس مؤهلا ليكون شريكا في السلام، ولم يقدم خلال اللقاءات الاستكشافية أي جديد، بل على العكس من كل ذلك، واصل هذا الائتلاف سباقه المجنون مع الوقت بخصوص الاستيطان والتهويد وخاصة في مدينة القدس، وواصل حملة البطش ضد شعبنا سواء من خلال عمليات الاغتيال بالطائرات أو خطف المواطنين في قطاع غزة، أو فرض الحزام الأمني بقوة الرصاص وهو أمر أصبح من مسؤولية قادة الوحدات المحليين المحيطين بقطاع غزة، ومضاعفة حجم الإنذارات بهدم المزيد من البيوت في مناطق متعددة من الضفة، وكذلك المداهمات والتصدي العنيف لأشكال المقاومة الشعبية السلمية! ولكن حملة البطش وصلت إلى حد الجنون في عمليات اعتقال النواب أعضاء المجلس التشريعي بدءا بالأخ الدكتور عزيز الدويك ووصولا إلى اعتقال نواب طولكرم ومداهمة مقراتهم، واعتقال نواب القدس واقتحام مقر الصليب الأحمر الدولي في المدينة بغية اعتقال هؤلاء النواب المقدسيين.

ماذا يعني كل ذلك؟

إنه يعني أن الائتلاف الحاكم في إسرائيل الذي يقوده نتنياهو لم يعد معنيا حتى بتبييض صورته المتسخة، وأنه لا يعلق أدنى أهمية على المبادرات التي تبذل لاستئناف المفاوضات! وأن هذا الائتلاف ينظر إلى العام 2012 على أنه عام ميت، لأن الولايات المتحدة من أقصاها إلى أقصاها منهمكة في الانتخابات، وأن الائتلاف الحاكم في إسرائيل يريد في هذه السنة الميتة، سنة الانتخابات الرئاسية الأمريكية أن يفعل هو كل ما يريد، وأن يمنع الفلسطينيين من عمل أي شيء على الإطلاق، ليس فقط على صعيد عملية السلام، وانما حتى على صعيد ترميم بيتهم الداخلي أي إنجاز المصالحة.

اختطاف نواب التشريعي وعلى رأسهم الدويك وإحالتهم إلى الاعتقال الإداري لمدة ستة شهور، هو تدخل إسرائيلي سلبي وسافر ضد المصالحة! وعمليات الاغتيال بالطائرات واختطاف المواطنين ومداهمات الضفة ، ومواجهة الفعاليات الشعبية السلمية بالقوة الرعناء، هو تدخل إسرائيلي سلبي وسافر ضد المصالحة! وعدم التفاعل الإيجابي ولو بالحد الأدنى مع المبادرات الإقليمية والدولية لتسليك طريق المفاوضات، هو أيضا تدخل إسرائيلي سلبي وسافر ضد المصالحة.

في هذه السنة 2012، لا تريد حكومة نتنياهو أن تسمح للفلسطينيين بعمل شيء على الإطلاق، لا على صعيد ترميم بيتهم، وادارة علاقاتهم الداخلية بشكل إيجابي يليق بمشروعهم الوطني! ولا على مستوى تكريس التوافق الوطني، أو التقدم إلى ساحات الرأي العام الدولي، وخاصة مجلس الأمن والجمعية العامة لتكريس الاعتراف بدولتهم.

ما هو الرد إذا؟

يجب أن نكسر هذه الحلقة الشيطانية التي يحافظ عليها الاحتلال، يجب إفشال هذه السياسة الإسرائيلية، يجب إثبات أنها سياسة حمقاء وقصيرة النظر وتنطوي على أكبر قدر من الانكفاء العنصري، وإثبات أن كل سلوك إسرائيلي غبي ومتهور ومستهين بالفلسطينيين سيكون له ثمن وثمن كبير.

وأول الممكنات في هذه المواجهة المفتوحة هو إنجاز المصالحة، والذهاب إلى المصالحة بإيقاع غير هذا الإيقاع الذي نراه منذ حوارات نهاية شهر ديسمبر الماضي وحتى الآن، فهذه الإيقاعات بطيئة وتافهة، هكذا بكل صراحة، ومسكونة بالأوهام والمحاذير المفتعلة، وهذه الإيقاعات البطيئة الميتة والفاقدة للإحساس بالوقت، هي في نهاية المطاف تخدم حملة البطش الإسرائيلية ولا تكسرها، وتعطي علامات نجاح لسلوك حكومة نتنياهو وليس علامات فشل كما هو الواقع.

أنا شخصيا أقف عاجزا عن التبرير حين يسألني أحد المهتمين أو أحد الصحفيين أو حتى أحد المواطنين البسطاء، لماذا تسير الأمور بهذا البطء الأجوف، وهذه الروح الميتة؟

لا كلام يقال، وأتحدى أن يستطيع أحد أن يخرج على الرأي العام الفلسطيني بأي كلام مقنع يبرر هذا البطء وهذا الموات.

العمل داخل اللجان تحول إلى ثرثرة لإحراق الوقت، ولا توجد نتائج ميدانية تفرض نفسها، والقليل من دفء التفاؤل الذي نستعين به على صقيع هذا الموسم بدأ ينفد، فما هو الحل؟

أعود وأكرر سؤالي الذي طرحته قبل أيام، المصالحة في قبضة من؟؟؟

إذا كانت المصالحة هي إرادتنا وقرارنا وقدرتنا، فلماذا إذا كلما أصبحنا قاب قوسين أو أدنى منها، تراجعنا إلى الخلف وراء صحراء المستحيل؟.