فتح ميديا/ لبنان، بالتأكيد خيار المصالحة هو الخيار الوطني بامتياز، وهو الرافعة الحقيقية للمشروع الوطني الفلسطيني، والمصالحة هي الضمانة لتأسيس الوحدة الوطنية الحقيقية.

هذا الإنجاز الذي أعادَ للشعب الفلسطيني فرحته بعد غيابٍ طويل، وعزَّز ثقته بقواه السياسية أصبح اليوم أمام علامة استفهام، فهل دخلت المصالحة دائرة الخطر بعد منع قيادة حماس وفداً رفيع المستوى من حركة فتح يضم أعضاء لجنة مركزية وقياديين تاريخيين من الحركة من الدخول إلى قطاع غزة في مهمة معروفة تتعلق بأجواء المصالحة؟ وهل هناك ما يبرِّر هذا الحدث الهادف إلى تعكير الأجواء الوطنية؟ ألا تدرك قيادة حماس في قطاع غزة وخاصة الدكتور محمود الزهار بأنَّ مثل هذا السلوك سيؤجج الخلاف، ويفتح باب الفتنة على مصراعيه أمام من يريد الاصطياد في الماء  العكر، ويزرع عدم الثقة بين الأطراف المعنية؟

مهما حاولنا التخفيف من محاولة إذلال ومنع الوفد من الدخول، وتداعيات هذا الحدث على الساحة الفلسطينية إلاّ  أنَّ ما جرى سمَّم أجواء المصالحة، وأثار المخاوف، وشعرت القيادة الإسرائيلية بالنشوة لأنها تبني مشاريعها العدوانية على  الانقسام وغياب المصالح.

الكثيرون راهنوا على فشل المصالحة، والتجمعات الفلسطينية في الداخل والشتات لم تخرج في مسيرات شعبية ابتهاجاً بالمصالحة، وهي وإن عبَّرت عن سعادتها بأن تتم المصالحة لكنها كانت وما زالت في قمة الحذر والتردد. لكنَّ الخطوة التي تمَّ الاحتفال بها، والوثائق التي تم توقيعها، والآليات التي تمَّ اعتمادها، والاتفاق على برمجة لقاءات اللجان المعنية بكل ملف من الملفات المطروحة، هذا كلُّه يحتاج إلى من يعيد الأمور إلى نبضها، وإلى من يضمن سلامة هذا الانجاز الوطني الذي استبعد الانقسام من الساحة الفلسطينية.

لا شكَّ أنَّ هناك عدة أطراف من واجبها تدارك الموقف حتى لا تعود الأمور إلى الوراء ونندم ساعة لا ينفع الندم. هذه الأطراف هي:

أ‌- حركة حماس سجلت التزامها بوثيقة المصالحة من خلال توقيع رئيس المكتب السياسي خالد مشعل ومواقفه الايجابية، هذا الموقف الايجابي يجب أن يسود كافة أطر ومواقع حركة حماس، ولا يمكن أن نعتبر ما يجري في قطاع غزة من  اعتقالات، واستدعاءات، وتوقيفات ومنع قيادات حركة فتح من الوصول إلى قطاع غزة  عملاً بريئاً،  وعلى قيادة حركة حماس حسم  موضوع المصالحة، وما يتطلبه هذا الاستحقاق من إجراءات ميدانية تصالحية لإثبات مصداقية حركة حماس في هذا المجال. ولا شكَّ  أنَّ بروز موقفين متناقضين تماماً في حركة حماس يثير المخاوف المستقبلية، ويجعلنا نطرح مجموعة أسئلة حول أسباب وجود خطابين متناقضين، فهل هو انقسام داخلي؟ أو هو مناورة سياسية لشد العربة إلى الوراء بانتظار التطورات الانتخابية في مصر، واستخدام هذه الورقة والاستقواء بها في الساحة الفلسطينية لفرض شروطها.

نحن أمام منعطف خطير، وعلى حركة حماس التي بدأت الانقلاب في العام 2007 أن تكون الأكثر جدية في معالجة التداعيات المدمِّرة لذلك الحدث المؤسف. ولا يجوز التلاعب بمشاعر جماهير شعبنا الوطنية، أو الاستهتار بالاستحقاقات التي هي ملك لأهلنا في الداخل والشتات.

ب‌- حركة فتح تحديداً تتحمل المسؤولية غير المباشرة عمَّا يجري، صحيح أن حركة فتح بعد الانقسام سارعت إلى الحوار مع حركة حماس دون شروط، ولبَّت دعوة المصريين واليمنيين والسوريين لإجراء حوارات المصالحة على أراضيها، وصحيح أنها تنازلت عن كل الشروط الأساسية لصالح  حماس، وصحيح أن الرئيس أبو مازن شخصياً أرسل الأخ عزام الأحمد لتوقيع الوثيقة المصرية للمصالحة في 15/10/2009 دون تردد في الوقت الذي امتنعت فيه حماس عن التوقيع آنذاك، إلاَّ أنَّ هذه المواقف الايجابية على أهميتها في إظهار حسن النية لدى حركة فتح، والتعبير الواضح عن اهتمامها بلملمة الأوضاع في الساحة الوطنية كان ينقصها شيءٌ مهمٌّ للغاية وهو قدرة حركة فتح على معالجة قضاياها الداخلية، وضعف قدرتها على النهوض بمسؤولياتها المطلوبة كفصيل رقم واحد في الساحة الفلسطينية، وكعمود فقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكونها  صاحبة المشروع الوطني تاريخياً، فهي ما زالت تعاني من حالات ضعف أهلية الكادر المسؤول وقدرته على تجسيد طموحات وتطلعات وآمال القواعد التنظيمية، وأيضاً آمال القواعد الجماهيرية التي عبَّرت عن انتمائها لهذه الحركة التاريخية عندما شاركت مشاركة واسعة وكثيفة في إحياء مسيرات ومهرجانات ذكرى الانطلاقة.

جماهير الشعب الفلسطيني بغالبيتها تنتمي إلى هذه الحركة الوطنية. لكن يبقى على قيادات وكوادر هذه الحركة أن يدركوا أهمية وحجم المسؤوليات التي يتحملونها، وهذا يتطلب بالتأكيد العودة إلى الينابيع الأولى، العودة  إلى مدرسة الرمز ياسر عرفات والشهيد أبو جهاد، العودة إلى مبادئ وأخلاقيات وقيم حركة فتح من وفاء في العطاء، ومحاربة التكتلات، وتعميق الانتماء للحركة، والحرص على مصالحها وسلامتها وليس على المصالح الذاتية والمحورية، والسعي إلى تحقيق المكاسب الحركية وليس المكاسب الشخصية، وأن  نكون في خدمة الحركة أمناء على رسالتها، وأن نكون جنوداً لخدمة المناضلين فيها لا أن نجعل أنفسنا أسياداً مطلقي الصلاحيات عليهم وعلى حقوقهم لنزرع فيهم التردد والتسليم بالأمر الواقع، وننزع منهم الجرأة في مقاومةِ أخطائنا.

علينا أن نتذكر بأننا عندما عجزنا كفتح عن معالجة أمراضنا في العام 2006 قفزت حركة حماس إلى الأمام عبر الانتخابات التشريعية والنزيهة، وسلَّمنا لها كأمر واقع، وفقدنا السيطرة الحقيقية، وأصبحت حركة حماس تتحكم بالساحة الفلسطينية شئنا أو أبينا، ولا نستطيع لا نحن ولا غيرنا تجاوزها.

المصالحة ستظلُّ ناصيتُها بيد حركة حماس طالما حركة فتح لم تمسك بزمام المبادرة بعد، وطالما أنَّ قياداتها وكوادرها لم يحققوا القفزة النوعية المطلوبة لإعادة هيبة حركة فتح قائدة المسيرة الوطنية.

إنَّ التغني بأمجاد حركة فتح، ورمزية ياسر عرفات، واستشهاد ثلثي أعضاء اللجنة المركزية، كلها مهمة ولكنَّ الأهم أن نعود إلى الواقع حيث المحك الرئيس لمصداقيتنا، وحيث الامتحان الصعب لقناعاتنا، ولا أقول لقدراتنا لأنَّ القدرات موجودة، ولكنها تحتاج إلى قناعات، وإلى وقفة ضمير.

ج- أما الطرف الثالث المعني بالمصالحة أكثر من غيره، والذي دفع ثمن الانقسام باهظاً، شهداء، وجرحى، ومعذَّبين، ويأساً وإحباطاً، إنه الشعب الفلسطيني الذي أعطى كلَّ ما يملك، وما زال يعطي، لكنه للأسف موضوع على الهامش، فمتى يأخذ الشعبُ زمام المبادرة لصون الوحدة الوطنية بعيداً عن الصراعات التنظيمية؟؟!!

على قيادات وكوادر حركة فتح أن يعززوا تصالحهم مع شعبهم لأنه الرئة التي يتنفسون منها. وعليهم أن يتذكروا بأن الرئيس أبو مازن قد قدَّم عبر جهوده السياسية المركَّزة فلسطينياً وعربياً ودولياً الغطاء لقيادات وكوادر حركة فتح لترميم أوضاعهم الداخلية، واستعادة موقعهم الطبيعي في الساحة الوطنية الفلسطينية. لكن عليهم أن لا ينسوا الإنذار المبكِّر الذي وجهَّه الرئيس أبو مازن إلى حركة فتح أولاً بأنه لن يرشِّح نفسه للرئاسة مرةً جديدة في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهذا الكلام دقيق، وكبير، وهو الإنذار الأخير.