المتحدث باسم حكومة حماس في قطاع غزة يقول: إن "غزة منكوبة، فهو يعترف بأن ما حدث نكبة، من جانب آخر خليل الحية وهو من حل محل السنوار في قيادة حماس في القطاع"، يقول: إن "الطوفان حقق أهدافه، بمعنى أن حماس انتصرت". ومن يرى استعراضات حماس العسكرية بلباسهم العسكري النظيف أو الجديد وسيارات جديدة وملصقات وأعلام ومنصات وكأنك ترى فيلمًا سينمائيًا مثيرًا، بالرغم من أن خلفية المشهد تظهر عمق النكبة. المشهد يبهر الجمهور المهزوم من المحيط إلى الخليج وليس الجمهور الفلسطيني وحسب، الذي يريحه نفسيًا تنحية مشهد النكبة لصالح مشهد النصر الكاذب.

من حق حماس أن تحتفل لأنها لا تزال موجودة وتسيطر على الشعب المنكوب في غزة. فعندما يقول الحية: أن "الطوفان" حقق أهدافه فهو يقصد أن حماس لا تزال موجودة في المشهد، ولكن ما يتعلق بالأهداف الوطنية، وحتى الأهداف التي أعلنتها حماس عند إطلاق عملية "الطوفان" مثل تبييض السجون الإسرائيلية، ومنع اقتحامات المسجد الأقصى، وتغيير خريطة الشرق الأوسط لمصلحة الشعب الفلسطيني.

ومن دون شك أن حماس قد استغلت بطريقة معقولة، مسألة المحتجزين الإسرائيليين، وبدعم من حلفائها عبر دبلوماسية الشيكات في الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين من أصحاب المؤبدات والأحكام، مئات من الأسرى ذوي الأحكام القليلة، ولكن منذ "الطوفان" اعتقلت إسرائيل أكثر من 12 ألف فلسطيني. كما أننا نعلم سياسة الباب الدوار، بأن تفرج دولة الاحتلال عن الأسرى وتعيد اعتقالهم. كما أن مئات من أصحاب المؤبدات يتم إبعادهم للخارج، في إطار الصفقة، ومع ذلك فإن أي إفراج عن أي أسير هو إنجاز مهم يفرح قلب كل فلسطيني.

استخدم المتحدث باسم حكومة حماس مصطلح قطاع غزة منكوب إنسانيًا، بما يعني أنه ليس نكبة عسكرية، إنها نكبة شعب، وكأن الشعب نكبته هزة أرضية وليس جراء حرب إبادة جماعية إسرائيلية تسبب بها "طوفان" حماس. هناك قدر كبير من المكابرة والتضليل والهدف هو أن تبقى حماس في المشهد وأنها لا تزال تتحكم بغزة، وتفرض سيطرتها على الشعب المنكوب والقطاع المنكوب.

وإذا أردنا تلخيص موقف حماس وما فيه من ملابسات مقصودة، هو أنها تصر وتمضي في سياسة فصل قطاع غزة عن الضفة، ومواصلة الانقسام، وتمنع أي فكرة لتعود السلطة الوطنية الفلسطينية في حكم القطاع. وكل رسائل حماس لها مضمون واحد أنها هي وحدها من يستطيع السيطرة على قطاع غزة، ويمكن أن تتعاون مع كل الأطراف ولكن ليس السلطة الوطنية وليس منظمة التحرير الفلسطينية.

مع ذلك فإن كل إيحاءات حماس بالانتصار لا تلغي أنها هي والقطاع منكوبة وكل الشعب منكوب وقضيته الوطنية منكوبة. والسؤال: ما الذي ستفعله حماس بعد أن تنتهي مراحل صفقة التبادل، ولا تجد عملية إعمار جدية، وبالتالي استمرار النكبة، واستمرار المعاناة، مما يبقي خطر التهجير الناعم قائمًا. خصوصًا أن ما يقارب ربع مليون مواطن غزاوي قد تركوا القطاع منذ حكمته حماس عام 2007. لذلك فإن مواجهة النكبة لا تتم من خلال تفرد حماس بالمشهد الغزاوي، فرسائلها وصلت للجميع بأنها لا تزال موجودة وتملك ما يكفي من السلاح ما يجعلها الأقدر على السيطرة على الشعب الفلسطيني المنكوب في القطاع.

حماس حتى لو كانت "منتصرة" فهي بحاجة إلى أن تتواضع، بحاجة إلى جرعة وطنية تغلب مصلحة الشعب الفلسطيني المنكوب على مصالح أجندات الممولين. من حق حماس أن تستغل صفقة التبادل في الدعاية إلى أقصى حد ولكن كل ذلك لن يعيد إعمار غزة المنكوبة.

محاولات تصفية القضية الفلسطينية لا تزال محتدمة، رغم وقف إطلاق النار في غزة، وإلا كيف يمكن تفسير تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد إيال زامير، والتي يقول فيها: أن عام 2025 عام حرب، فالسؤال: أين ستواصل إسرائيل حربها؟. بالتأكيد الضفة ستكون ساحتها، كما يمكن أن تواصلها في قطاع غزة. هناك حاجة أن تنزل حماس عن شجرة النصر المنكوب وتضع يدها بيد السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، كما يمكن أن تتقدم المنظمة بمبادرة تطمئن حماس بأن لها مكانًا كشريك في المشهد الوطني الفلسطيني.