"وقف العمليات العسكرية" في قطاع غزة، هذه هي العبارة الواردة بالنص في اتفاق الصفقة المنتظر التوقيع عليها عبر الوسطاء، بين إسرائيل و"حماس". وقف العمليات العسكرية وليس حتى العمليات الحربية وليس حتى وقف إطلاق النار. حرب الإبادة الإسرائيلية، التي ما زالت مستمرة منذ السابع من أكتوبر عام 2023 وحتى الآن باتت مجرد عمليات عسكرية. أكثر من مئة وخمسين ألف شهيد وجريح إنما هم حصيلة "عمليات عسكرية" فحسب، لا نتاج عدوان حربي بالغ العنف والكراهية. ثمانون بالمئة من بنية قطاع غزة، وبناياته، ومساكنه، باتت ركامًا فوق ركام، والسبب عمليات عسكرية. نازحون فاق عددهم المليون، تقطعت بهم سبل الحياة، وجرجرتهم المجاعة في دروب محطمة، باحثين عن كسرة خبز، وشربة ماء نظيفة، أطفال قضوا بالقصف. وآخرون بالجوع والبرد، وأغلبية الناجين منهم باتوا مبتوري الأطراف، كل ذلك نتيجة "العمليات العسكرية"، قبول "حماس" بهذه العبارة في هذا الاتفاق، لا يعبر عن هزيمة طوفانها شر هزيمة فحسب، بل وكذلك عن رضوخها المهين، للسردية الإسرائيلية بكل ما تعلق، ويتعلق بحربها الفاشية، ضد قطاع غزة.

الضحايا في قبورهم الجماعية، ومن لا يزال تحت الركام، لاشك أنهم وبرحمة العلي القدير، يتساءلون الآن كيف باتت حرب الإبادة مجرد عمليات عسكرية، وبأي قلم ستوقع "حماس" على هذه الصفقة، إن لم يكن هذا الذي لن يكون أي حبر فيه، سوى دمنا الذي سفح علنًا وبلا هوادة.

وماذا تعني عبارة وقف "العمليات العسكرية" غير أنها تعيد ترتيبات التنسيق الأمني بين "حماس" وإسرائيل. وثمة عبارات أخرى في الاتفاق المنتظر، لا معنى لها سوى اللعب بالكلمات، بمطلقاتها الصحفية، كعبارة "الانسحاب الكامل" دون أي جدولة زمنية، ولا أي تحديد للمناطق، التي على جيش الاحتلال الإسرائيلي الانسحاب منها، وعبارة أخرى تتحدث عن إدخال "كميات مكثفة" من المساعادات الإنسانية. إنها ليست أكثر من زخرفة لغوية، لتجميل العبارة المخادعة "وقف العمليات العسكرية".

وحسب هذه العبارة لا سواها، فإن طوفان "حماس" لم يكن من أعمال المقاومة ولا بأي حال من الأحوال، كما لم يعد بالإمكان، ولا من الصحيح، بصريح الواقع والنتائج، تسميته "طوفان الأقصى" وحسب العبارة ذاتها، كان مجرد عمليات عسكرية، والمصيبة، أنها كانت بالغة الجهل، والحسابات الخاطئة كلها، حتى باتت مجرد مغامرة شعبوية، جلبت لقطاع غزة كل أنواع القتل والدمار، وجاءت بهذه العبارة "وقف العمليات العسكرية"، فيما الضحايا يطالبون بوقف الحرب، ولعلهم ولأنه ما باليد حيلة، يرجون من هذا الوقف وضع حد لحرب الإبادة مرة واحدة وللأبد.