(روسيا اليوم:2/1)

الأحداث الهامة التي شهدها العام 2011 على الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي صفقة تبادل الأسير جلعاد شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني و27 أسيرة.. إبرام الصفقة جاء مفاجئاً ولا سيما أن سنوات أسره التي زادت عن الخمسة أعوام كانت مليئة بالوساطات من أجل إبرامها، تارة بوساطة ألمانية، وأخرى تركية ومصرية.. وفي كل مرة يقترب فيها إتمام الصفقة تعود المفاوضات إلى نقطة الصفر بغض النظر عمن كان يعطِّل ذلك.

توقيت مفاجىء

الفلسطينيون الذين سمعوا بالصفقة، وفوجئوا بها، استغربوا توقيتها، ولا سيما أنها تأتي في سيل ثورات الربيع العربي، ووسط انشغال الدبلوماسية المصرية بشؤون مصر الداخلية، وعدم قدرتها على التفرغ للملفات الخارجية، وهي التي أعطت لملف شاليط منذ العام 2006 ولغاية سقوط الرئيس المصري مبارك آلاف الساعات من المباحثات التي لم تستطع تجاوز نقطة الصفر.

وفيما أطلقت حركة حماس التي كانت تختطف شاليط على الصفقة اسم "وفاء الأحرار" تساءل مراقبون فلسطينيون عن مغزى أن تتم الصفقة على مرحلتين، وأن يتفق الإسرائيليون وحماس على أسماء من سيطلقون في الأولى، أما المطلق سراحهم في المرحلة الثانية فهم رهن ما يقرره الجانب الإسرائيلي، ما دعا حماس للاعتذار من الشعب الفلسطيني، والقول أنها وقعت في الفخ. مراقبون قالوا إن حماس لم تتشاور مع أي من الفصائل الفلسطينية حول قوائم من سيجري الإفراج عنهم، تاركة الباب مفتوحاً لتفرج إسرائيل في المرحلة الثانية عن معتقلين كادت محكومياتهم على وشك الانتهاء، ولعل الأهم أن الصفقة جاءت بأقل من التوقعات  مقارنة بصفقات عقدتها تنظيمات فلسطينية ولبنانية مع إسرائيل، مقابل جثث جنود إسرائيليين.  

أسير وحصار خانق

جلعاد شاليط عاد إلى أهله بعد غياب عنهم استمر لأكثر من خمسة أعوام، ولكنه لم يكن غائباً عن جدول أعمال الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، فقد وافقت إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2009 على الإفراج عن عشرين أسيرة فلسطينية مقابل شريط فيديو يثبت أنه على قيد الحياة. وتحدث فيه عن "حلمه بالحرية". ومن أجله فرضت السلطات الإسرائيلية حصاراً خانقاً على قطاع غزة، حيث أظهرت تقارير اقتصادية صورة قاتمة للوضع الاقتصادي في القطاع من بينها ارتفاع عدد الذين يعتمدون على المساعدات الدولية إلى نحو 1.2 مليون فلسطيني، يمثلون نحو 85% من السكان، بعد أن فقد ثمانون ألف عامل مصادر رزقهم.

ويرى المراقبون أن إطلاق سراح شاليط كان على رأس الأهداف من عملية "الرصاص المصبوب" التي شنها الجيش الإسرائيلي على غزة.. وخلال الحرب التي بدأت في 27 ديسمبر/كانون الأول عام 2008 واستمرت ثلاثة أسابيع تقول جماعات حقوق الإنسان إن نحو 1400 فلسطيني استشهدوا، معظمهم من المدنيين إلى جانب قتلى إسرائيليين، من بينهم ثلاثة مدنيين وعشرة جنود. وقالت مؤسسات حقوقية إن نتائج رصدها الميداني خلال عام 2009 أكدت سقوط 1071 ضحية في قطاع غزة، بينهم 331 طفلاً و194 امرأة. وتؤكد نتائج التحقيقات الميدانية المبنية على إفادات ذوي الضحايا أو شهود العيان، أن ما نسبته 94.30% من إجمالي عدد الشهداء قضوا خلال يناير/كانون الثاني 2009 أي أثناء فترة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. ومن بين القتلى رصدت تلك المؤسسات ما نسبته 36.32% كانوا في منازلهم أثناء قتلهم، وما نسبته 30.90% أطفال،  و18.11% نساء.

ويرى المراقبون أن الثمن الذي دفعه الفلسطينيون لقاء سنوات خطف شاليط هي أكبر مما يمكن احتماله، ولا سيما أن الخطف كان مبرراً إسرائيلياً جاهزاً لمنع وصول المساعدات والبضائع عبر المعابر المصرية والإسرائيلية، ناهيك عن عشرات الهجمات الجوية التي طالت عدداً من قادة الصف الأول من حماس والتنظيمات المتحالفة معها.

حماس لم تختطف شاليط

ومن أسرار عملية خطف شاليط التي لا يجري الحديث عنها كثيراً أن حماس لم تأسره، بل اشترته من تنظيم آخر.. وكان شاليط -المولود في نهاريا شمالي إسرائيل في 1986- أُسر في 25 يونيو/حزيران 2006 على يد مقاومين من ألوية الناصر صلاح الدين التابعة للجان المقاومة الشعبية وجيش الإسلام في عملية عسكرية أطلقت عليها الفصائل اسم عملية "الوهم المتبدد".

واستهدفت العملية قوة إسرائيلية مدرعة من لواء جفعاتي كانت ترابط ليلاً في موقع كرم سالم العسكري على الحدود بين مدينة رفح الفلسطينية وإسرائيل. حيث نجح المقاومون في التسلل عبر نفق أرضي كانوا قد حفروه سابقاً تحت الحدود مما ساعدهم على مباغتة القوة الإسرائيلية.

وانتهت العملية بمقتل جنديين إسرائيليين وإصابة خمسة آخرين بجروح وأسر شاليط وتمكن المقاومون من اقتياد الجندي الأسير إلى عمق القطاع بسرعة فائقة رغم التعزيزات الجوية الإسرائيلية الفورية في الأجواء وخصوصاً في سماء مدينة رفح قرب مكان تنفيذ الهجوم.

شاليط تم إطلاق سراحه، وتصدرت صوره الجرائد الإسرائيلية والعالم، لكن الفلسطينيين لم يحسوا بالفرح لإتمام الصفقة، ولا سيما أن أكثر من 10 ألاف أسير وأسيرة لا يزالون تحت ظروف اعتقال صعبة ومحكوميات مؤبدة.. كما أن الحصار المفروض على غزة لم يرفع حتى الآن (وهو المفروض عليها بعد أسر شاليط) إضافة إلى تعثر عمليات إعادة بناء غزة، التي دمرتها إسرائيل في معركة البحث عن جنديها الأسير، على الرغم من تعهد الدول المانحة بمبالغ كبيرة في مؤتمر شرم الشيخ في مارس/آذار 2009.