لا تفسيرات ولا تأويلات لهبة الفلسطينيين في النقب سوى أنها انعكاس لفخر المواطن بهويته وانتمائه، وعزته وكرامته وقيمته وشرفه، فالأرض لدى الإنسان عمومًا جوهر مكونات روحه وهويته وثقافته بما فيها تاريخه وحاضره ومستقبله وتراثه، أما بالنسبة للفلسطيني فإنها تعني وجوده وحياته، بعدما وضعها الغزاة المستوطنون العنصريون الهدف الأول والأخير، وسلطوا عليها كل قواهم الحربية، وفق خطط مبرمجة لتصفية وجوده، وتجفيف حياته تمهيدًا لإفنائها، ولأنه يعي تمامًا أن أعظم وأقوى سلاح لمواجهة المشروع الاحتلالي الصهيوني هو الثبات على أرض الوطن والتشبث بها بعشق يفوق عشقه لروحه ونفسه، أمواله وأولاده، (زينة الحياة الدنيا).  

أي شجرة هذه سيغرسونها، مكان جذور إنسان؟ وأي فائدة من أحراش ستكون على حساب تهجير ثلاثين ألف مواطن فلسطيني من أرضهم في قرى النقب ؟؟ وأي حكومة هذه تدعي الديمقراطية، وأنها لكل سكانها، فيما تطبق على الأرض أفظع وأبشع عمليات تطهير عرقي بحق المواطن الأصلي (الفلسطيني)؟ أما السؤال عن القوانين الفريدة  لدى دول العالم التي تبيح تهجي عشرات آلاف المواطنين من موطنهم الموروث أبًا عن جد، فإنها ليست موجودة لدى أي دولة في العالم، إلا لدى حكومة منظومة الاحتلال والاستيطان العنصري المسماة (إسرائيل)، كل هذا في القرن الحادي والعشرين حيث يتنفس ما يسمى العالم الحر الديمقراطي، والمجتمع الدولي، والشرعية الدولية، مبادئ وقوانين حقوق الإنسان الإنسانية والسياسية كما يتنفس أدعياء الدفاع عنها الهواء، ونعتقد أن دولة تمارس عنصرية وتطهيرا عرقيًا، وترحيلًا قسريًا كما تفعل حكومة منظومة (اسرائيل)، لكانت الآن في خبر كان، أو لحوصرت ماديًا واقتصاديًا وسياسيًا ولوحقت في المحاكم الدولية الجنائية والعدلية، وقوطعت بقرار دولي.

ما زال الجيل الثالث للمشروع الصهيوني المهيمن على أركان (إسرائيل) كالحكومة والكنسيت والجيش، ممسكًا بقوة في مفاصل منظومة الإرهاب والعنصرية والاحتلال إسرائيل، يطبق خطة تهجير الفلسطينيين وحصرهم في مناطق صغير مكتظة يسهل السيطرة عليها وحصارها، وقفل بوابات موارد الحياة عليها،  تمهيدًا لدفع الفلسطيني بالهجرة من أرض وطنه، هذا كسياسة عامة، لم يفلحوا في الحصول على النسبة الأدنى التي يتمنون رؤيتها، أما في النقب الفلسطيني فنعتقد أنهم لن يحصلوا إلا على 0% من أهداف خططهم. 

هبة الشباب من الجنسين في النقب المسنودة من آبائهم وأجدادهم- أكثر من ثلاثمئة ألف فلسطيني موجودين تاريخيًا على أرض تشكل نصف مساحة فلسطين تقريبًا، فيما مواطنو النصف الآخر حاضرون فعلا بمقاومة سلمية على الأرض، على رأسهم النواب العرب الوطنيون والتقدميون في الكنيست مثل أيمن عودة نموذجًا، ولجنة المتابعة العليا للجماهير العربية على رأسها محمد بركة، وإلى جانبهم محبو السلام وأنصاره في المجتمع الإسرائيلي، فهذه القوة مجتمعة وحدها القادرة على إيقاف أو الغاء مشاريع تهجير الفلسطينيين، وكبح جماح المخططين للتمدد الاستيطاني اليهودي في النقب، فحكومات منظومة التطهير العرقي والتهجير (إسرائيل) كافة لا تأخذ في الاعتبار وزن الكرسي والصوت في الكنيست حيث ما يسمى السلطة التشريعية إلا لمنح سياستها الاحتلالية العنصرية غطاء قانونيًا بمثابة مسحوق تجميل تظهر وتتظاهر به أمام المجتمع الدولي، حتى أنها تحرص على تصويت نواب توأمهم (جماعة الإخوان المسلمين) على مشاريع قوانينهم، لتبرير سياسة التمييز العنصري، كما يفعلون بمنصور عباس وجماعته الذين باتوا كحصان طروادة لاختراق قلعة مليوني فلسطيني صامدين على أرض وطنهم التاريخي والطبيعي وإلى جانهم حوالي سبعة ملايين في القدس والضفة الفلسطينية وقطاع غزة، أما الملايين السبعة في خارج الوطن فإنهم بمثابة العمق الاستراتيجي المتحرك والمتحرق دائمًا للعودة والاستمرار في سبل النضال  المشروعة.

لا تلتفت منظومة الاحتلال العنصرية إلى نسبة التعلم وارتفاع نسبة النمو لدى المواطنين الفلسطيني عمومًا، ولدى المواطنين في النقب خصوصًا، فسلطة الاحتلال  قائمة على مبدأ التهجير وطرد أهل البلاد الأصليين (الشعب الفلسطيني) معنية بزيادة معدلات الجهل والأمية وزيادة النمو السكاني باعتباره مشكلة اقتصادية واجتماعية تبقى آثارها محصورة في المجتمع الفلسطيني، أما قرارات التصفية الميدانية واستهداف شرائح المدنيين في الحروب فإنها وسيلة أخرى للحد من النمو السكاني على طريقتهم الهمجية الى جانب عمليات هدم القرى والبيوت كما حدث لقرية العراقيب التي هدمت حوالي 140 مرة.

إن انتصار الإرادة الوطنية الفلسطينية على مساحة أرض تشكل 50% من أرض فلسطين التاريخية رغم وجود قواعد عسكرية ومنشآت لدولة إسرائيل فيها نووية لمنظومة الاحتلال فيها، يعني الكثير بالنسبة لنا، ويعني أن الفلسطيني الوطني لا يفرق بين رمال النقب، وتربة سهل مرج بن عامر، ولا يفرق بين بيت من شعر، وبيت بني من حجارة عتيقة في القدس، فكل ما في هذا الوطن مقدس.  

المصدر: الحياة الجديدة