دار لغط كثير، وازدادت الحوارات والفتاوى والاجتهادات في الجلسات الخاصة والعامة، ومواقع التواصل الاجتماعي في أوساط حركة "فتح" وخارجها، وفي أوساط النخب وفصائل العمل حول إمكانية التوافق بين أعضاء الهيئة القيادية الأولى في حركة "فتح" (اللجنة المركزية) بشأن ترشيح أعضائها للهيئات القيادية في المجلس الوطني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وكان هناك خوف في أوساط الحريصين على الحركة من أن يكون لاختلاف وجهات النظر داخل اللجنة المركزية بشأن تبنيها بشكل موحد لأسماء بعينها: أولاً- من عدم الاتفاق على المرشحين؛ ثانيًا- اتساع هوة التناقض في صفوفها وانعكاس ذلك على قواعد الحركة؛ ثالثًا- تعطيل انعقاد دورة المجلس المركزي، لأنه من الصعب ذهاب الحركة لاجتماع المركزي دون وحدة الموقف أمام ذاتها، وأمام الحركة الوطنية والشخصيات المستقلة، مما سيترك آثارًا سلبية على مستوى الساحة.

وكانت القوى المتربصة بالحركة تراهن على اتساع دائرة التناقضات بين أقطاب اللجنة المركزية، وحتى رغم الاتفاق الذي تبلور أمس الأول الثلاثاء، ما زالت تلك القوى تعلق آمالاً، وترسم سيناريوهات عدة لامكانية ازدياد حدة التباينات بين أعضاء المركزية، لا سيما وأن قوى داخلية وخارجية تسعى بشكل حثيث للعب على حبل التناقضات الداخلية، وبث الاشاعات المغرضة والمسمومة في أوساط ومستويات الحركة المختلفة لبلوغ أهدافها.

ولا أدري إن كان أعضاء الهيئة القيادية الأولى في الحركة يدركون أو لا يدركون حجم السيوف والرماح المسمومة، التي يجري سنها يوميًا للانقضاض على حركتهم، ودورها الريادي والقيادي في الساحة الفلسطينية. فإن كانوا متنبهين للأخطار التي تتهدد حركتهم، فهذا مهم وضروري، لأنه يشكل بداية الانشداد لوحدة الحركة، والابتعاد عن الغرق في متاهة المخطط المرسوم للحركة. وان كانوا غير متيقظين للأمر، ومشدودين للبعد الذاتي على حساب وحدة ودور الحركة، فإنهم سيقعون في المحظور وتداعياته الخطرة.

في كل الأحوال كان اجتماع اللجنة المركزية يوم الثلاثاء (18 يناير الحالي) مهمًا وضروريًا، ونزع فتيل ازمة داخل الحركة، لأنه حقق جملة من النتائج الإيجابية: أولاً- انتصرت اللجنة المركزية لذاتها وللحركة عمومًا؛ ثانيًا- خرجت من دوامة التعويم والتنويم والخشية من بحث الترشيحات، وحسمت أمرها؛ ثالثا- توافقها على أسماء مرشحيها للهيئات القيادية في منظمة التحرير بغض النظر عن الأسماء (دون الانتقاص من أهمية الأسماء ودلالات اختيارها)، وبعيدًا عن حسابات الآخرين وأقاويلهم، كان خطوة مسؤولة، وفيها تجاوز للمطبات والحواجز المنصوبة؛ رابعا- فتحت الأفق جديا لعقد الدورة الـ 30 للمجلس المركزي في مطلع الشهر القادم (شباط/ فبراير 2022).

وعلى صعيد آخر، استوقفني تصريح للرفاق في الشعبية حول ترشيح حركة "فتح" لأعضائها للهيئات القيادية لمنظمة التحرير، واعتبرت ذلك "تفردًا"، و"خروجًا عن روح العمل الجماعي"؟ وهذا لا أساس له من الصحة، لأن أمر ترشيح اللجنة المركزية لحركة "فتح" لأعضائها، يخص حركة "فتح"، ولا يخص أي فصيل من فصائل العمل الوطني ولا الشخصيات المستقلة. أضف لذلك، من حق الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب (وحماس والجهاد إذا ما أصبحوا جزءًا من منظمة التحرير والوطني الفلسطيني) وجبهة النضال والتحرير الفلسطينية والتحرير العربية والقيادة العامة والعربية الفلسطينية والصاعقة والمستقلين أن يرشحوا مندوبيهم لتولي المسؤولية في الهيئات القيادية للمنظمة. لا يوجد فيتو على أحد، وبالتالي أن ترشح حركة "فتح" ممثليها، فهذا شأن خاص بها، لا علاقة للشعبية ولا لغيرها من الفصائل بالأمر، والترشيح لمندوبيها، ليس ملزمًا لأحد في المجلس المركزي.

فضلاً عن ذلك، من يخشى تفرد "فتح"، يا حبذا لو يقرر من حيث المبدأ المشاركة في اجتماع المجلس المركزي القادم حتى: أولاً- يحافظ على حقه في ترشيح مندوبيه لتولي المنصاب القيادية في المنظمة، أو يحافظ على ما لديه من مواقع داخل تلك الهيئات؛ ثانيًا- يحد من سياسة التفرد؛ ثالثًا- للإسهام المباشر في تعزيز خيار المشاركة السياسية والتنظيمية؛ رابعًا- ليدافع عن البرنامج الذي يراه مناسبًا للمحطة السياسية التي تعيشها الساحة الفلسطينية؛ خامسًا- ليعزز دور منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج لأهمية وضرورة هذا الأمر.

وحتى ينسجم الرفاق في الشعبية مع رؤيتهم الوطنية تجاه المنظمة، عليهم أن يكفوا عن سياسة التناقض، التي يعيشونها، من جهة يؤكدون على وحدانية تمثيل المنظمة، ومن جهة ثانية يرفضون الحضور والمشاركة في أعمال هيئاتها القيادية بحجج واهية وخاطئة.

من يريد المنظمة وحمايتها، عليه أن يتحصن في مؤسساتها، ويعمل على انتزاع ما يمكن انتزاعه من إيجابيات على المستويات المختلفة، لا أن يبقى سيّاحًا يطلق الشعارات الكبيرة والجوفاء، وكأن لسان حالهم يعتمد مقولة برنامج لبناني قديم لربيع الخطيب بعنوان "قل كلمتك وامش". هذا المنطق يتناقض كليًا مع المصالح الخاصة والعامة.

 

المصدر: الحياة الجديدة