أسمع بين الفينة والأخرى كلامًا من هنا وهناك من القانونيين، خاصة من الزملاء الأفاضل العاملين في المؤسسات الحقوقية الفلسطينية الذين أكن لهم كل الاحترام والتقدير، حول صلاحيات رئيس دولة فلسطين في إصدار قرارات بقانون، وإعلانات دستورية.

ولعل الإعلان الدستوري الذي صدر مؤخرًا عن رئيس دولة فلسطين ويقضي بموجبه أنه في حالة شغور مركز رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، يتولى مهامه مؤقتًا رئيس المجلس الوطني الفلسطيني لحين إجراء الانتخابات الرئاسية وفقًا لقانون الانتخابات الفلسطيني ساري المفعول، أحيا ذلك الكلام وتلك المقولات التي يرددها أصحابها دون إدراك أحيانًا، مع الاحترام، لتبعات الفراغ التشريعي الناشئ عن عدم انعقاد المجلس التشريعي منذ عام 2007، وعدم قيامه بالتالي بإصدار قوانين تنظم المجتمع الفلسطيني منذ ذلك الحين.

وأرى أنه بات لزامًا علي، استنادًا إلى واجبي المهني والأكاديمي وضع النقاط على الحروف، لا لشيء سوى من أجل تبيان الفكرة، وتوضيح الصورة التي ربما اختلطت على بعض الزملاء والزميلات، خاصة بعد ردود الفعل التي وصلتني من بعض هؤلاء الزملاء الأفاضل.

بادئ ذي بدئ، لا بد من الإشارة إلى أن رئيس دولة فلسطين يستمد صلاحياته في إصدار قرارات بقانون من القانون الأساسي المعدل، حيث أجازت المادة (43) منه للرئيس إصدار قرارات في حالة الضرورة لها قوة القانون على أن يتم عرضها على المجلس التشريعي في أول جلسة بعد صدور هذه القرارات، وله أن يقرّها أو ألا يقرّها.

وينازع البعض من الزملاء الأفاضل في أن حالة الضرورة غير قائمة، ما يستدعي معه التوقف عن إصدار تلك القرارات بقانون. وللرد على ذلك القول من منظور قانوني، أرى أن حالة الضرورة قائمة منذ الانقسام البغيض وتوقف عقد جلسات المجلس التشريعي منذ عام 2007، ما استدعى ويستدعي قيام رئيس دولة فلسطين بإصدار قرارات بقانون من أجل تنظيم المجتمع الفلسطيني من جهة، ومواكبة التطورات المتلاحقة في العالم على مختلف الأصعدة من جهة أخرى.

وكان حريًا بأولئك الأفاضل توجيه الشكر للسلطة الوطنية الفلسطينية على قيامها بسد ذلك الفراغ التشريعي الذي لم تكن السلطة الوطنية مسببه، بدلاً من إلقاء اللوم عليها وإلقاء التهم جزافًا بحقها دون سند قانوني أو منطقي.

وأود طرح التساؤل التالي: كيف سيكون الوضع القانوني والمجتمعي لو لم يقم رئيس دولة فلسطين بإصدار قرارات بقانون خلال الفترة التي أعقبت الانقسام البغيض ولغاية الآن؟ وثمة تساؤل آخر يطرح نفسه: هل كان من المستحسن ترك حالة الفراغ التشريعي منذ عام 2007 قائمة دون إصدار قرارات بقانون لتنظيم مختلف أوجه الحياة في المجتمع الفلسطيني؟.

وعليه، نرى أن إصدار قرارات بقانون خلال الفترة السابقة ساهم دون شك في تحسين الوضع القانوني في فلسطين، وفي إيجاد إطار قانوني، إجرائي وموضوعي، واضح تستند إليه المحاكم المختصة، وتستقي منه أحكامها عند فض النزاعات المختلفة سواء كانت مدنية، أو تجارية، أو أحوالاً شخصية، أو جنائية، أو إدارية. ومن ذلك قرار بقانون رقم 41 لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية، والذي نص في المادة (54) منه على أن تتولى محكمة النقض بصفتها محكمة إدارية مؤقتًا النظر في المنازعات الإدارية لحين تشكيل المحكمة الإدارية.

ومن خلال إعمال القياس، نستطيع القول إن لرئيس دولة فلسطين صلاحية إصدار إعلانات دستورية كالذي صدر مؤخرًا والمشار إليه أعلاه، إذا ما علمنا أن المتفق عليه فقهًا وقضاء أن الإعلانات الدستورية إنما تصدر في حالة تعطل أحكام الدستور أو في حالة وجود ظروف استثنائية كالتي يعيشها الشعب الفلسطيني، خاصة مع عدم انعقاد جلسات المجلس التشريعي منذ عام 2007 بسبب عدم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مواعيدها القانونية نتيجة الانقسام البغيض الذي شطر جناحي الوطن وأدى إلى الاستفراد بقطاع غزة الحبيب، والذي لم تكن السلطة الوطنية الفلسطينية سببًا فيه، كما أسلفنا.