بعد اتفاقيات أوسلو وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 تم تقسيم إقليم ما يمكن أن يصبح الدولة الفلسطينية في حينه إلى 16 محافظة، محافظات الشمال، والمقصود الضفة الغربية وهي 11، والمحافظات الجنوبية، أي قطاع غزة، وهي 5 محافظات.
والإعلام الفلسطيني الرسمي وخطاب السلطة الوطنية السياسي، وفي أكثر الظروف تعقيدًا، بقي يتعامل مع إقليم دولة فلسطين كمحافظات للتعبير عن وحدة هذا الإقليم ووضعه على الخارطة باسم دولة فلسطين.
محاولاتُ التوحيد والوحدة كانت تصطدم بالواقع المتراكم منذ نكبة عام 1948، ومع الواقع الراهن والذي فرضته إسرائيل عبر الإصرار على إبقاء الفصل والمماطلة بإنشاء الممر الآمن المنصوص عليه في أوسلو، ومن ثم نتيجة الانقسام الفلسطيني، وتكريسه ومواصلة استخدام مصطلح قطاع غزة والضفة الغربية.
تاريخيًا نشأ المصطلح نتيجة للنكبة، عندما احتلت الحركة الصهيونية 78% من أرض فلسطين التاريخية وبقي شريط صغير من الجزء الجنوبي الغربي من فلسطين بيد الجيش المصري مساحته لا تتعدى الـ 350 كيلومترًا مربعًا، وأصبح يطلق عليه قطاع غزة أو القطاع لتوصيف أنه شيء مختلف عن الأرض المصرية.
أما مصطلح الضفة الغربية (مساحتها 5.850 كيلومترًا مربعًا) فقد نشأ من الجزء الشرقي من فلسطين، وحمل اسم الضفة الغربية للتعبير عن أن الوحدة تمت بين ضفتي نهر الأردن الشرقية والغربية.
لمدة 19 عامًا بقي المصطلح مستخدمًا بشكل رسمي إلى أن احتلت إسرائيل ما تبقى من فلسطين في حرب حزيران/يونيو 1967 وأصبحت كل فلسطين التاريخية تحت سيطرتها، ومع ذلك استمر استخدام مصطلح قطاع غزة والضفة الغربية، فالأردن واصل التعامل مع الضفة الغربية على أنها الجزء المحتل من أراضيه وتواصل بالتالي استخدام المصطلح، كما واصلت مصر استخدام مصطلح قطاع غزة لارتباطه الإداري بها وبحكم الموقع الجيوسياسي، وبقينا نسمع مصطلحات أبناء القطاع وسكان القطاع، وكذلك أهالي الضفة وسكان الضفة.
منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل الثورة الفلسطينية استخدموا في أدبياتهم السياسية والإعلامية مصطلح الأرض الفلسطينية المحتلة، بهدف تأكيد هويتها الفلسطينية، بمعنى أنه الجزء الذي احتلته إسرائيل من فلسطين في حرب عام 1967.
ولكن ومع ذلك بقي المصطلح يتسلل في الاستخدام اليومي للتدليل على الجغرافيا والمكان حتى ونحن نكتب أخبار الأحداث في الأرض المحتلة.
خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 وحتى اتفاقيات أوسلو عام 1993 كانت هناك حرية تنقل بين الضفة والقطاع وأصبح بمقدور الشعب الفلسطيني أن يتواصل بين مكوناته داخل فلسطين التاريخية، ومع ذلك بقي القطاع قطاعًا والضفة ضفة.
بعد أوسلو عملت السلطة الوطنية على توحيد النظام القانوني ووحدت مناهج التعليم، والإدارة، ولكن اضطرت السلطة إلى إقامة سلطتين من الناحية العملية، وذلك نتيجة لاستمرار الفصل.
في واقع الأمر، اضطرت السلطة الوطنية، على سبيل المثال لا الحصر، إلى تعيين وكيل وزارة في الضفة ووكيل وزارة في القطاع، ومدير عام في الضفة ومدير عام في القطاع، وهكذا كل المناصب، بحيث أصبحت لدينا وزارتان في وزارة. أما التنقل بين جزأي الدولة الفلسطينية فكان مقيدًا جدًا تتحكم به إسرائيل عبر تصاريح خاصة من الصعب الحصول عليها.
ومع الانتفاضة الثانية أصبح الفصل شبه تام ما عزز وجود المصطلح، وتعمق وجوده بعد سيطرة حماس على القطاع بالقوة المسلحة وحصول الانقسام، فقد كرس هذا الأخير المصطلح من جديد، بل إن حماس ولأغراضها السياسية تعمدت أكثر فأكثر تكريس المصطلح، فهي أقامت دويلة خاصة بها هناك وخاضت حروبًا بشكل منفرد، ووقعت اتفاقيات هدنة خاصة بها وبالقطاع دون الضفة ما كرس من جديد واقع الانفصال وبقاء مصطلح قطاع غزة والضفة الغربية قائمًا، وحدها السلطة الوطنية حافظت على استخدام المحافظات الشمالية والجنوبية، ولكن على أرض الواقع لم تكن تسيطر على المحافظات الجنوبية وبقي اسمها قطاع غزة.
بالرغم من الكارثة التي نعيشها اليوم ويعيشها شعبنا الفلسطيني في المحافظات الجنوبية خصوصًا، فإنه قد تكون هناك فرصة لتوحيد إقليم الدولة الفلسطينية، ولكن هذا الأمر، وبعيدًا عن العوامل المتعلقة بإسرائيل، علينا أن نكون حازمين وواضحين وبدون أية مواربة، بأن نؤكد على أن يكون للشعب الفلسطيني سلطة واحدة ومركز قرار سياسي واحد ومؤسسة إدارية وأمنية واحدة وقانون واحد، وأن نبتعد عن سياسة المحاصصة تمامًا، وأن تصبح مهمة إقامة النظام السياسي الديمقراطي، والذي هو الحل للكثير من المشاكل، مشروعنا في المرحلة القادمة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها