خرج الرئيس الأميركي جو بايدن للتسوق في ولاية ماساتشوستس، وأثناء ذلك دخل مكتبة ناتيدكيت الشهيرة، تجول داخل المكتبة ووقعت عيناه على كتاب البروفيسور رشيد الخالدي "حرب المئة عام على فلسطين"، وخرج متعمدًا أن يظهر غلاف الكتاب أمام كاميرات الصحافيين.

ربما نحن الفلسطينيون الذين نتعلق بقشة الأمل تساءلنا: إذا ما كان لذلك مغزى معين، خصوصًا أن الكتاب يقول أن إسرائيل هي كيان استعماري، وهي نتاج مرحلة الاستعمار؟ نسأل: هل هذه الخطوة محاولة لغسل الضمير، وغسل اليدين الملوثة بحرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة؟، وإذا أردنا أن نكون متفائلين بأن هذه الخطوة لافتة للقول: إن "فلسطين ستكون على خريطة المنطقة جزءًا من المستقبل".

إذا أردنا فكل القصة لم تكن صدفة، وإنما مخطط لها. فمن النادر أن يذهب رئيس أميركي للتسوق، صحيح أن هذا يحدث ولكن في كل مرة يكون لها هدف ورسالة ما يريد الرئيس إيصالها للجمهور مباشرة، في العادة تكون لأغراض انتخابية، أو أغراض سياسية محلية اقتصادية أو اجتماعية.

الرئيس بايدن سيغادر البيت الأبيض بعد أقل من شهرين، وبالتالي ليس من المفترض أنه كان يريد إيصال رسالة داخلية أو يسوق لسياسة اقتصادية، هو اشترى كتابًا واحدًا يتحدث عن تاريخ فلسطين منذ وعد بلفور واحتلال بريطانيا لفلسطين ومعها مشروع إقامة الوطن القومي اليهودي.

من حسن حظي أنني قرأت هذا الكتاب المهم، صحيح أن رشيد الخالدي يبدأ الحديث من خلال تاريخ عائلته المقدسية "الخالدي" التي لها بصمة واضحة في المدينة وتاريخها المعاصر، ولها دور في الحركة الوطنية الفلسطينية قبل نكبة عام 1948، ومن هذه العائلة برز في مطلع القرن العشرين روحي الخالدي الذي هو أول فلسطيني ألف كتابًا علميًا عن الصهيونية ومخاطرها، وعبر تاريخ العائلة سلط رشيد الخالدي الأضواء على كل مراحل الصراع الفلسطيني الصهيوني الذي لا يزال محتدمًا ودمويًا واليوم يترجم بحرب الإبادة في قطاع غزة.

الكتاب يتناول الرعاية البريطانية للمشروع الصهيوني حتى تأسست إسرائيل عام 1948 على حساب فلسطين والشعب الفلسطيني، ومن ثم تولت الدول الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية حماية إسرائيل وتقديم كل أشكال الدعم لها لتبقى متفوقة.

ويركز الكتاب على فكرة أنه لا يصح توجيه لوم الضحية، مشيرًا إلى أن المشروع كان أكبر بكثير من قدرة الشعب الفلسطيني على مواجهته، مع الإشارة إلى سلسلة الأخطاء التي ارتكبتها الحركة الوطنية، ومع ذلك يؤكد أن هذه الأخطاء لا يمكن أن تكون هي سبب نكبة الشعب الفلسطيني، وإنما المشروع الصهيوني ذاته المدعوم تمامًا من الدول الاستعمارية.

ومن الأفكار الرئيسية في الكتاب على ما أذكر هي أن الشعب الفلسطيني لم يستسلم ولم يرضخ وواصل المواجهة والصمود على أرضه.

نعود للرئيس بايدن، بالتأكيد أن إصراره على أن يظهر بالصورة ومعه الكتاب، يحمل رمزية قد تكون فيها بعض المراجعة، صحيح أنها جاءت متأخرة جدًا وفي الأسابيع الأخيرة له كرئيس، إلا أن هذه الخطوة على ما يبدو موجهة للنخب السياسية الأميركية بأن تنظر للشرق الأوسط من زوايا أخرى، وللصراع الفلسطيني الإسرائيلي أيضًا.

إن شيئًا يشبه ما قام به الرئيس أوباما في الأسابيع الأخيرة من ولايته الثانية، عندما سمح بتمرير قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 في 22 كانون أول/ ديسمبر عام 2016 والذي تحدث بشكل واضح عن حل الدولتين، ونص على أن الاستيطان الإسرائيلي في الضفة والقدس الشرقية يمثل انتهاكًا للقانون الدولي، ويشكل تهديدًا لحل الدولتين، وهو ما فسر في حينه أن القرار يتضمن إشارات واضحة لضرورة وجود دولة فلسطينية مستقلة على كامل الأراضي المحتلة منذ حرب 1967.

صحيح أن حمل الرئيس بايدن لكتاب "حرب المئة عام على فلسطين"، لا يمثل أي سياسة، أو حتى لا يشير مباشرة إلى تغير جذري في السياسة الأميركية، لكن الأمر كله لم يكن محض صدفة، وإنما فيه إشارة للظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني على امتداد أكثر من مئة عام، وربما يتضمن رسالة للرئيس الأميركي المنتخب ترامب بأن يلحظ هذا الظلم.