في شمال غزة دخلت حرب إسرائيل فصل الجحيم، ولم يعد لها من مهمة سوى إضرام المزيد من نيران هذا الجحيم كي تنهي على الأخضر واليابس في هذا الشمال، الصور الآتية من هناك، يصعب على اللغة استنطاقها، بكاء بعيون جفت دموعها، أطفال تكفنوا بدمهم، بيوت تكومت فوق بعضها البعض، وتحت الركام جثامين لا نعرف لمن هي، وكم عددها، رجال ينوحون، ونساء احترقت قلوبهن، لا شوارع، ولا حارات، كل شيء تم تجريفه، وثمة خيام تمزقت، وأخرى تعصف فيها ريح المجاعة الصفراء.

من المؤسف، بل والمؤلم أن حركة "حماس" ما زالت لا ترى ذلك، على هذا النحو أو ذاك من النكران والمكابرة، وما زالت لا تفكر بغير السلطة، ولا تريد سواها، وتهدد حتى بحرب أهلية ما لم تكن في صلب السلطة، التي ستدير شؤون القطاع الذبيح، بعد توقف الحرب، إذا ما توقفت. لا تريد لجنة إدارية تحت ولاية الحكومة الفلسطينية، تريدها مستقلة خاصة في شؤون موازنتها. فهي ترى، على ما بتنا نعرف عن "حماس"  الاستثمارية، أن سلطة المال، هي سلطة القوة، والإدارة.

ماذا لو حدقت "حماس" بالصور الآتية من شمال غزة، بل ومن كل مكان في القطاع الذبيح، هل سيواصل خطابها الملثم، تحليقاته النرجسية، في شاشات فضائيات الخديعة التي ما عادت لها مهنية التقوى، وهي تجعل من البحر طحينة.

وثمة قصص تأتي من شمال غزة عن المساعدات التي تصل إلى هناك، بعد التي كما يقال، فلا تعود بحوزة أحد، سوى المليشيات الحمساوية، وغيرها، حتى تصبح في سوق التجارة الحرة، بجشع هذه التجارة، وشراهتها للربح الحرام.

هذا يعني أن معاناة أهلنا في شمال غزة اليوم لم تعد هي معاناة النجاة من صواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية ومسيراتها، ولا هي معاناة البحث عن ملاذٍ آمن، وإنما هي معاناة البحث عن رغيف خبز بكلفته المعقولة، وعن سيجارة بشيقل واحد، فثمة هناك من أكد في اتصالات هاتفية مع أقرباء له هنا في الضفة المحتلة، أن ثمن السيجارة الواحدة، في شمال غزة، بات يعادل ثمن عشر علب منها.

أي حال هي هذه الحال الذي بات عليها شمال غزة، بل والقطاع بأكمله؟ إنها حال الفجيعة فإلى متى يظل الخطاب ملثما؟.