تغوص الخطّاطة المغربية "سهام گرواض" في عوالم الخط العربي، متحركة بخفّة بين إشراقات الحرف وجماليات الزخرفة، مستلهمة من ينبوع التراث الغني، لتنطق لوحات تعكس عظمة اللغة العربية، وتُجسّد رؤية تجمع بين الأصالة والتجديد لهذا الفن العريق، تحمل خريجة أكاديمية الفنون التقليدية بالدار البيضاء، على عاتقها مسؤولية التعريف به وإبراز جمالياته من خلال أعمالها الفنية.
وتقود مؤسِّسة "سهام الفن" مشروعًا فنيًا يهتم بتطويرَ الحرف العربي وإدراجه في الحياة اليومية بصيغ عديدةٍ جديدة بهدف خلق آفاق أوسع للتواصل عبره، وتشارك حاليًا في ملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي في دورته التاسعة (من 24 أكتوبر إلى 2 نوفمبر)، إلى جانب 160 فنانًا وفنانة من 16 دولة عربية وأجنبية.
بدأت رحلة سهام گرواض مع الخط العربي منذ سنة 2013 داخل أكاديمية الفنون التقليدية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، وبالضبط شعبة فن الخط العربي والزخرفة، حيث تشربت أسرار وقواعد هذا العلم الذي قال عنه ابن خلدون في مقدّمته: "إنّه صناعةٌ شريفة يتميّز بها الإنسان عن غيره، وبها تتأدّى الأغراض، ويطَّلع بها على العلوم والمعارف وصحف الأولين وما كتبوه من علومهم وأخبارهم".
تشربت سهام گرواض من نبع الخط العربي وقواعده من الكوفي إلى الثلث والديواني، لكن عملها لم يتوقف عند حدود ما تعلمته، بل كانت دائمة البحث عن بصمتها الخاصة. ولعل ما يميزها هو رغبتها العميقة في المزج بين الماضي والحاضر، فهي تؤمن أن الفن يجب أن يتطور مع الزمن، وأنه يمكن للتقنيات الحديثة والمواد الجديدة أن تكون جزءاً من هذا التراث العريق دون أن تفقده جوهره.
الخط العربي بالنسبة لسهام ليس مجرد وسيلة للتعبير عن الجمال بصيغة بصرية أكثر تأثيرًا، بل هو رحلة مفتوحة للتعريف به وبأنواعه المختلفة ونقله إلى الأجيال المستقبلية بهدف ترسيخه والحفاظ عليه في تجسيد لمقولة "الخط العربي أينما ظهر بهر"، من هذا المنطلق تضع نصب عينيها تكوين وتشجيع الأطفال والشباب على الارتواء من منابعه والتشبع بجماليات وتفرد الخط المغربي.
وتشارك سهام گرواض حالياً في ملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي الذي يحمل هذا العام اسم الخطاط محمد حمام، ويعقد تحت شعار "بناء يتجدد".
إن المتأمل في لوحات الفنانة يلاحظ عشقها الكبير للخط المغربي بخصوصيته ورونقه وتناسقه وأنواعه سواء منه المبسوط لبساطته وسهولة قراءته، أو المجوهر لجماله وتناسب حروفه وتناسق سطوره، من بين هذه الأعمال نجد لوحة "فلسطين" في نوفمبر 2023، التي خطتها بالمبسوط والجوهر، وتحمل في طياتها رسالة عن القضية الفلسطينية وعن الشعب الصامد رغم الإبادة الإسرائيلية، وقد جاء فيها: احجبوني ولكني دون نقاطي أُقْرَأ، احجبوني ولكني ولو مزقت أُفْهَم، ولو فككت حروفي أُفْهَم ولو غيرت حروفي .. و لو فككت ألواني.. أُفْهَم". أما لوحة "الصمت في حرم الجمال جمال" المقتبسة عن قصيدة الشاعر نزار قباني، فقد اختارت أن تنقش حروفها على خشب الجوز بخط الثلث المغربي الذي منحها انسيابية وتناغماً.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها