في خطوة عملية تكريسًا لتوجهات الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد، دعا وزير الخارجية فيصل بن فرحان التحالف الدولي لتجسيد خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 للانعقاد أمس الأربعاء 30 تشرين أول/أكتوبر الحالي، الذي حضره 90 ممثلاً من ممثلي الدول الداعمة للتوجه السعودي، وهدف المؤتمر، كما أعلن الوزير السعودي استقلال دولة فلسطين المحتلة، كشرط للتطبيع بين بلاده وإسرائيل، وهو ما يعني العمل بمحددات مبادرة السلام العربية الأربع. لأن قيادة المملكة أدركت جيدًا من خلال الوقائع الماثلة للعيان، أن حكومة بنيامين نتنياهو تعمل بخطى حثيثة على الحصول المجاني على التطبيع العربي والإسلامي دون الالتزام بالانسحاب من أراضي دولة فلسطين المحتلة منذ 57 عامًا خلت، ولم تنفذ التزامها الذي وقع عليه وزير خارجيتها الأول موشيه شاريت بتطبيق القرارين الامميين 181 و194 اللذين تم اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الإسرائيلية، التي تم الإعلان عن تأسيسها وفقًا لقرار التقسيم الدولي 181 في 15 أيار/مايو 1948 في أعقاب نكبة الشعب العربي الفلسطيني.
وكما يعلم الجميع، أن بن فرحان كان في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي على هامش أعمال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة 78، أعلن عن رغبة المملكة العربية السعودية بتأسيس التحالف الدولي لتكريس استقلال الدولة الفلسطينية من الدول العربية والإسلامية ودول الاتحاد الأوروبي، وفتح الباب أمام انخراط دول العالم المختلفة المعترفة بالدولة الفلسطينية وعددها 149 دولة، وغيرها من الدول الراغبة بدعم عملية السلام، وقطع الطريق على خيار الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وإزالة عوامل الفوضى والإرهاب والحروب من الإقليم، وتعزيز عوامل التعايش والسلام، ودمج إسرائيل ضمن دول الإقليم.

وأكد الأمير فيصل أن اجتماع التحالف الدولي لدعم خيار حل الدولتين يمثل الخطوة الأولى في التوجهات السعودية بمشاركة 90 دولة، ورغبتها وحرصها مع مجموع الدول المشاركة في "تجييش" الرأي العام الدولي ضد ممارسات وانتهاكات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. وطالب الوزير السعودي في كلمته الافتتاحية في الاجتماع، بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، وأن يعمل المجتمع الدولي بشكل جماعي وبقوة الإرادة والتصميم لتحقيق السلام الممكن والمقبول، واصفًا الوضع في قطاع غزة بالمأساوي والكارثي بسبب الحصار الإسرائيلي. ونتاج الإبادة الجماعية منذ 391 يومًا خلت بحق الفلسطينيين عمومًا وفي غزة وقطاعها خصوصًا.
كما شارك إلى جانب الدول 90 المشاركة في الاجتماع منظمات عربية وإسلامية وأوروبية، وهي: مجموعة الاتصال لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الأوروبي، بالإضافة للنرويج. وسيفتح الباب بالضرورة أمام مختلف المنظمات الإقليمية والقارية الداعمة للحل السياسي على أساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967.
وبالتلازم مع التحالف الدولي لدعم خيار حل الدولتين، أعلن بن فرحان عن تكريس إطار القمة العربية الإسلامية في الحادي عشر من تشرين ثاني/نوفمبر القادم، للمرة الثانية، والذي دشن في ذات التاريخ من عام 2023 الماضي لبحث الوضع في فلسطين ولبنان، واتخاذ الخطوات الضرورية لوقف التصعيد في الوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط، وخلق مناخ إيجابي لتعزيز العلاقات بين دول الإقليم، وفتح الأبواب امام التنمية المستدامة، وتوطيد علاقات التعايش والتعاون.

لكن تبقى هناك أسئلة مثارة مطروحة أمام التحالف الأممي الجديد، والقمة العربية الإسلامية في دورتها الثانية، منها: هل سيعتمد التحالف الدولي ذات السياسيات في استخدام لغة الشجب والادانة والاستنكار، أم ستستخدم أدوات فعل أخرى، لإعطاء التحالف مصداقية أكبر في احداث قفزة جدية لتطبيق خيار حل الدولتين، وتمهيد الطريق أمام استقلال دولة فلسطين المحتلة؟ وما هي الخطوات العملية التي سيلجأ لها التحالف؟ هل سيلوح بفرض عقوبات سياسية وديبلوماسية واقتصادية وتجارية على إسرائيل لإلزامها بوقف الإبادة الجماعية وإدخال المساعدات الإنسانية بكافة مشتقاتها لأبناء الشعب الفلسطيني وارغام إسرائيل على الانسحاب الكامل من أراضي قطاع غزة؟ وهل ستضغط على الإدارة الأميركية الحالية قبل غروب شمسها عن البيت الأبيض في 20 كانون ثاني/يناير 2025، أم ستنتظر تولي الإدارة الجديدة بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية؟ وهل ستضغط قيادة المملكة العربية السعودية على الدول العربية الموقعة على الاتفاقات الإبراهيمية لتجميد علاقاتها لحين التزام إسرائيل بوقف حرب الإبادة الجماعية والذهاب لخيار السلام؟
مؤكدًا أن مجمل الخطوات السعودية تعكس جدية قيادة المملكة العربية السعودية في توجهها الإيجابي تجاه وقف دورة الموت والإبادة الجماعية، وإعطاءها مصداقية أعلى في مركزية دورها على هذا الصعيد في الوطن العربي والمجموعة الإسلامية وعلى المستوى الدولي. بيد أن بمقدار ما تحقق من إنجازات، بقدر ما يتعزز دورها المركزي.