بعد عام من إصابة منزلنا، جاءت ضربة ثانية أمامه، ونزل الصاروخ على سيارات إخوتي وعلى الطريق العام الموازي لمنزلنا الذي كان قائمًا في آخر خطّ المخيم. وفي الجهة المقابلة للطريق العام، كانت تقيم عائلات نزحت من الجنوب اللبناني بعد احتلاله من طرف اليهود، وعائلات أخرى كثيرة من "بعلبك"، جمعتنا بها الجيرة الطيّبة.

الصاروخ الذي نزل على منطقتنا حصد أرواحًا كثيرة من الأطفال حيث تزامن مع عودة التلاميذ من المدرسة، استشهد ثمانية عشر طفلا وطفلة، بالإضافة إلى الناس الذين كانوا يعبرون الطريق في ذلك التوقيت. وقد استشهد من عائلة واحدةٍ أربعة أطفال: ثلاثة إخوة وابنة عمهم، وما زالت صوُر أشلائهم المتناثرة في أرجاء الطريق ماثلة في ذاكرتي لن يمحوها الزمن مهما طال، إضافة إلى صور أمٍّ شابة وهي تحضن ابنتها الرّضيعة.

استمرَّت الحرب حتى عام 1977، وبعد سقوط مخيم تل الزعتر في أيدي المُسلَّحين، ارتُكبت أبشع وأفظع المجازر بحق أهالي المخيم.. وفي صباح أول يومٍ من عيد الأضحى المبارك، دخلت قوات الردع السوري إلى الضاحية الجنوبية، وكان أول ضحاياها أخي الشاب عبد الناصر وكان وقتها في زهرة شبابه ولم يتجاوز 18 عاما من عمره، استشهد غدرًا وعدوانًا يوم (11 - 11 - 1977) على أيدي من جاء لحمايتنا!

لم يستقرّ الوضع كليًّا في لبنان حتى صيف عام 1982، كانت حرب الاجتياح الإسرائيلي للبنان.. وطبعًا كان الوضع مدروسًا من قِبل الثلاثي اللبناني، ومُخطَّطه هو إخراج منظمة التحرير الفلسطينية وكل منظَّمات العمل المقاوم الفلسطيني من لبنان. وبعد معارك طاحنة، ودمار وخراب للمخيمات الجنوبية وكذلك مخيمات الضاحية الجنوبية في بيروت.. وبعد استمرار الحرب لمدة ثلاثة أشهر، تمّ وقف الحرب والاتفاق على خروج المقاومين الفلسطينيين مع ياسر عرفات (أبو عمار) إلى تونس والجزائر واليمن وبلدان أخرى رحبّت بدخول واحتضان إخوتهم المقاومين الفلسطينيين بكل محبة وإخاء.

ما إن غادرَت لبنان آخرُ دفعةٍ من المقاومين الفلسطينيين، حتى بدأ التحضير لعمل إجرامي جديد بحق اللاجئين من الشعب الفلسطيني في لبنان، وذلك بالاتفاق مع من سمّوا أنفسهم مُمثلي الدولة اللبنانية، وتمّ حصار مخيّم صبرا ومخيّم شاتيلا من طرف القوات اللبنانية وقائدهم آنذاك سمير جعجع وإيلي حبيقة، وذلك لمساعدة اليهود وقوات سعد حداد في التنكيل بالفلسطينيين!