عشية دخول العام الثاني من الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية ضد الشعب الفلسطيني، عادت حكومة الائتلاف الإسرائيلية اجتياح محافظات شمال قطاع غزة للمرة الثالثة منذ بداية الحرب القذرة والهمجية، تنفيذًا لخطة الجنرالات، التي أعدها الجنرال غيورا ايلاند، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، والمقرب من رئيس الوزراء نتنياهو، وهي ماضية قدمًا في توسيع وتعميق الإبادة وحرب الأرض المحروقة في القطاع، ودفعت بمزيد من القوات العسكرية، وأعادت الفرقة 162 إلى منطقة شمال غزة، مستغلة إنشغال العالم ووسائل إعلاميه بالحرب الدائرة في جبهة الشمال مع لبنان.
فضلاً عن أن، الإبادة الجماعية لم تتوقف في محافظات الجنوب، ويوميًا هناك مجازر متلاحقة ضد الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء، وصرخات وأنات أبناء شعبنا عمومًا، رجالاً وأطفالاً ونساءً تصم الأذان، وتفقأ عيون الشعب والعالم كله، وما زال قادة الدول والمنظمات الأممية والرأي العام العالمي يراوحون في مواقع الإدانة والشجب والاستنكار وإصدار القرارات بلا رصيد فعلي وحقيقي لوقف الحرب المجنونة والمنفلتة من كل عقال إنساني، ليس قانوني أو سياسي فقط.

ففي شمال القطاع وخاصة في جباليا البلد والمخيم تتعاظم دورة الدم والموت والإبادة والجوع والأمراض والحرمان من مصادر الحياة الإنسانية كافة والحصار، ويطالب جيش الإبادة الإسرائيلي المواطنين من بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا النزوح إلى الجنوب، بهدف تفريغ الشمال من أبناء شعبنا بذريعة تصفية أذرع المقاومة، مع أن الوقائع تقول: إن المستهدف هو الشعب، كل أبناء شعبنا لتنفيذ مخطط التهجير القسري والتطهير العرقي الإسرائيلي، وهو أحد أهداف "النصر الكامل" الذي نادى وينادي به الرجل القوي في الدولة العبرية.
ومن الواضح للعيان الفلسطينية والإسرائيلية وعلى مستوى الكون، أن القيادة الإسرائيلية تعمل بمنهجية واضحة للتخلي عن مفاوضات وقف الحرب، وتبادل الأسرى، وتهيئ الظروف لليوم التالي من خلال فرض وقائع جديدة، وخلق مناطق عازلة، كما يجري في شمال القطاع حاليًا، وهو ما يعني التخلي عن الرهائن الإسرائيليين، خاصة وأن نتنياهو وأركان ائتلافه الحاكم من البداية، أعلنوا اعتبارهم جزءً من الضحايا، أي أموات، ولا يبالون بمصيرهم. لا سيما وان غالبية الضحايا الإسرائيليين وتحديدًا من كانوا في الحفل الفني الذين قتلوا بسلاح الجو الحربي الإسرائيلي، ولم يقتلوا على يد أذرع الفصائل الفلسطينية، واستغلت حكومة الإبادة الإسرائيلية المدعومة من قبل الإدارة الأميركية بشكل مطلق الذريعة لارتكاب أبشع جرائم الإبادة الوحشية في العالم ضد شعبنا الفلسطيني.

المهم هنا، أن الضرورة تملي على شعبنا بقطاعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والأكاديمية، أن لا يعتادوا على الإبادة الجماعية، والتعامل معها، وكأن ما يجري أمراً عاديًا، ومألوفًا للعين، وغير ذات الشأن، بذريعة أن الحياة يجب أن تستمر، ولكن السؤال، من قال: إن الحياة يجب أن تتوقف؟ ومن طالب المجتمع أن يقف مكتوف الأيدي، وأن لا يواصل العمل والإنتاج والمقاومة بالوسائل كافة، ومن طالب أن لا يفرح الشباب من الجنسين؟ ولكن هل يفترض أن تقام الأفراح والليالي الملاح وإطلاق الرصاص وإقامة الولائم والطبل والزمر، كما كان الأمر عليه قبل السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023؟ وهل الوضع الكارثي اللا إنساني في القطاع والضفة والقدس عاديًا ومألوفًا؟ 
وأود هنا أن، أؤكد أن أبناء شعبنا في قطاع غزة، رغم الإبادة والموت والمجاعة يتزاوجون، ولكن يجري ذلك بهدوء وبصمت شديد، ودون ضجيج، لأن الحياة يجب أن تمضي وتستمر، كون ذلك شكل من أشكال النضال، والإصرار على البقاء والصمود، والانجاب، والتجذر في أرض الوطن، ورفض التهجير القسري، والرد على مخططات وأهداف الدولة النازية الإسرائيلية. وبالتالي لا أحد يطالب بتوقف دورة الحياة، بل العكس صحيح. لأن أحد أركان وأهداف الشعب الفلسطيني، هو العمل الدؤوب والمثابر على ترسيخ وجوده وصموده وتعزيز مقاومته السياسية والديبلوماسية والقانونية والمقاومة الشعبية والاقتصادية للتصدي لمخططات العدو النازي الإسرائيلي الأميركي.

إذًا العمل والدفاع عن حقوق ومصالح الشعب العليا تكمن في مواصلة دفة الحياة، واستنهاض المجتمع الفلسطيني، ورفع سقف المقاومة بجني الزيتون وتطوير الإنتاج الاقتصادي والزراعي، وحماية وتعميق وتطوير العملية التربوية التعليمية وتعزيز الثقافة الوطنية بما يعزز من مكانة السردية الفلسطينية، لا النكوص عنها، والقبول بإملاءات الأميركيين والأوروبيين لتغيير منهاج التعليم الوطني، مقابل فتات الدعم المسخ، في الوقت الذي يتجاهلون فيه منهاج التعليم الإسرائيلي، الذي ينضح بأبشع أشكال النازية والعنصرية، ورفع سقف التحدي في مجالات الحياة كافة لحماية المنتوج الوطني، ومواجهة قطعان المستعمرين، واجتياحات الجيش الإسرائيلي وعصاباته الصهيونية الفاشية في المدن والقرى والمخيمات في القدس العاصمة وعموم الضفة الفلسطينية.
مجددًا تملي المصلحة الوطنية التعاضد مع الذات الفلسطينية، وعدم التعود على صور الإبادة الجماعية، وكأنها شيئًا عاديًا ومواصلة الحياة كما يليق بالشعب الفلسطيني العظيم وكفاحه التحرري وصولاً لهدف الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير.