لم يكن سهلاً على رئيس جُمهورية جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا "71 عاماً"، الفوز مُجدّداً بولاية ثانية في رئاسة البلاد مُدّتها خمس سنوات.
وإنْ نال 283 صوتاً من أصل 400 يُمثّلون الجمعية الوطنية (البرلمان)، وبفارقٍ شاسعٍ، مُتقدّماً على مُنافسه مُرشّح "حزب مُقاتلون من أجل الحُرية الاقتصادية" جوليوس ماليما، الذي حصل على 44 صوتاً، علماً بأنّ حزبه فاز بـ39 مقعداً، إلا أنّ ذلك اقتضى تحالفات لم يسبق أنْ اضطر إليها "حزب المُؤتمر الوطني الإفريقي" سابقاً.
جرت عملية الاقتراع السري مُباشرة من قِبل النوّاب لانتخاب الرئيس، في الجلسة التي عقدتها الجمعية الوطنية برئاسة القاضي ريموند زوندو، حيث اقتصر التنافُس بين مُرشَحَين.
ويتبيّن أنّ هناك 73 نائباً لم يقترعوا لأيٍّ من المُرشّحين، فقد اضطر "حزب المُؤتمر الوطني الإفريقي" لخوض مُفاوضات شاقّة مع الأحزاب الأخرى، من أجل ضمان استمراره برئاسة البلاد، التي كان مُنفرداً بها على مدى 30 عاماً، مُنذ أنْ أنشأه نيلسون مانديلا في العام 1994، بعد التغلّب على نظام الفصل العُنصري، الذي عانى منه أبناء البلاد.
فالانتخابات التي جرت بتاريخ 29 أيار/مايو 2024، وبمُشاركة كثيفة، اقترع فيها ما فاق 66% من أصل 27.6 مليون ناخب من إجمالي عدد السكان البالغ 62 مليون نسمة (80% منهم من السود)، وبنسبة اقتراع فاقت ما شهدته الدورات الانتخابية الست الماضية.
لكن، كانت المرّة الأولى التي يفقد فيها "حزب المُؤتمر الوطني الإفريقي" الأغلبية المُطلقة، خلافاً للدورات السابقة، حيث فاز بـ159 مقعداً من أصل 400 - أي أنّه نال أقل من 40% من أصوات المُقترعين، علماً بأنّه كان يُتوقّع ألا ينال أقل من 45% منها، مُتراجعاً عمّا كان يتمثّل به في الانتخابات السابقة التي جرت في العام 2019، حين نال 230 مقعداً - أي ما نسبته 57% من التمثيل.
هذا الواقع الجديد دفع بمسؤولي "حزب المُؤتمر الوطني الإفريقي" إلى إجراء مُفاوضات مُضنية وشاقّة مع الأحزاب المُعارضة على مدى أسبوعين، انتهت قبل ساعات من عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية حتى تمكّنوا من التوصّلِ إلى تفاهمات.
وقد وصل الأمر ببعض أحزاب اليسار إلى رفض الانضمام إلى تحالفٍ مع "حزب المُؤتمر"، فاضطر مسؤولوه إلى خوض مُفاوضات مع ليس حليفٍ يلتقي بالتوجهات ذاتها، التي قام عليها "حزب المُؤتمر الوطني الإفريقي"، بل مع "حزب التحالف الديمُقراطي" بزعامة جون ستاينهاوزن المُؤيّد لقطاع الأعمال بقيادة البيض، والذي فاز بـ87 مقعداً، بعدما شكّل ائتلافاً من 11 حزباً مُعارضاً في صيف العام 2023، ضد "حزب المُؤتمر".
إذن، فإنّ الحزبين الخصمين اللدودين اضطرا إلى الائتلاف، بحثاً عن مصالحهما المُشتركة.
هذا فضلاً عن انضمام أحزابٍ أخرى إلى الائتلاف، ومنها: "حزب الزولو القومي إنكاثا"، و"الحركة الديمُقراطية المُتحدة" (يسار وسط) و"حزب إف إف بلاس" للقوميين البيض.
وقد سعت بعض الأحزاب الصغيرة للمُشاركة في الائتلاف من أجل أنْ تنال حصةً من الوزارة، لأنّ تحالف الحزبين الأقويين، يُفقِد تلك الأحزاب تأثير صوتها!
لهذا، فقد جاء التقاء المصالح بين المُتنافسين لينقل البلاد إلى مرحلةٍ جديدة، عبّر عنها الرئيس الفائز بأنّها "ولادة جديدة، وعصرٌ جديدٌ لبلادنا، وأنّ الوقت قد حان لتتغلّب الأحزاب السياسية على الخلافات، والعمل معاً".
جرى الاتفاق بين الحُلفاء على العمل معاً في حُكومة وحدة وطنية جديدة، هي الأولى من نوعها في جنوب إفريقيا، وهو أمر لم يكن مُتوقّعاً في يوم من الأيام، بل فرضته نتائج الانتخابات.
وقد حصل "حزب التحالف الديمُقراطي" بمُوجب الاتفاق على منصب نائب رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان)، مع توافُقٍ على خطة عمل إنقاذية بهدف الحدّ من ارتفاع مُستويات الفقر، وتقليص الجريمة، ومُعالجة انقطاع الكهرباء ومُحاربة الفساد.
يبقى أنّه رغم الإغراءات والضُّغوطات الإسرائيلية والأميركية، إلا أنّ جنوب إفريقيا مُتمسّكة بمُناصرة القضايا الوطنية، وفي طليعتها القضية الفلسطينية، لأنَّ مَنْ عانى الظلم والتمييز العُنصري، يعرف ماذا يعني ذلك، وما يعيشه الشعب الفلسطيني من حرب إبادة جماعية من قِبل المُحتل الإسرائيلي، لذلك كان رفعها قضيّة ضد الكيان الإسرائيلي أمام "محكمة العدل الدولية".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها