قال الرئيس في مؤتمر القمة العربية في المنامة عاصمة مملكة البحرين في سياق خطابه: "قبل السابع من أكتوبر الماضي، كانت حكومة الاحتلال تعمل على تكريس فصل قطاع غزة عن الضفة والقدس، حتى تمنع قيام دولة فلسطينية، وحتى تضعف السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية. ولقد جاء موقف حماس الرافض لإنهاء الانقسام والعودة إلى مظلة الشرعية الفلسطينية، ليصب في خدمة هذا المخطط الإسرائيلي، كما أن العملية العسكرية التي نفذتها حماس بقرار منفرد في ذلك اليوم، وفرت لإسرائيل المزيد من الذرائع والمبررات كي تهاجم قطاع غزة، وتُمعن فيه قتلاً وتدميرًا وتهجيرًا، نحن لم تخفَ علينا نتائج ذلك ومآلاته، ولذلك أعلنا موقفًا واضحًا وصريحًا".

إن العقل الوطني الخالص لا يقبل أخذ الموقف الوطني كستار لإخفاء الاخفاق والفشل، وتمرير سياسات ومصالح فئوية، واستغلال الحق لتعمية أبصار وبصيرة الجماهير عن الارتباط العضوي مع أجندات وسياسات دول وقوى خارجية، كما لا يجوز تسليطه كسلاح إرهاب فكري لمنع النقد الايجابي البناء، والمراجعة على قاعدة الرؤية الصائبة للمصالح العليا للشعب، فالعقل الوطني: تحرري، مستقل، واقعي بمعنى تحقيق الممكن، مع ثبات الارتباط الجذري بالمبادئ والأهداف الوطنية، فالعقل الوطني يختار الدائرة الصريحة منهجًا رغم مصاعبها ومتاعبها وعراقيلها وحواجزها ومكائدها، ويتجنب المريحة التي لا تتطلب أكثر من بيع الذات الشخصية والوطنية لمن يدفع أكثر!.

إن إعلاء الحق والحقائق، ونهج العقلانية والواقعية، والحكمة والجرأة والشجاعة، والدهاء في السياسة، والنقد الذاتي البناء، واستخلاص العبر من التجارب، وشق الدروب بالرؤى الصائبة الصحيحة، واختيار أنسبها للوصول الى الأهداف الوطنية، وسمات أخرى قد ميزت الشخصية الوطنية لرئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية أبو مازن، فالمناضل الوطني في موقع القيادة، لا ينكر ذاته وحسب، بل يوظف ايمانه بالحق، وبهويته الوطنية الانسانية الحضارية، والمعرفة والعلوم والثقافة، لتجسيد معنى القيادة، ومبدأ خدمة الشعب الذي منحه الثقة، وأمنه على القرار، فالرئيس القائد المناضل لا تعنيه ألقاب الزعامة، والفخامة، والتمجيد، المحصودة بميادين الموت العبثي، لأن الوطن، وروح الانسان الفلسطيني التي تحفظه وتحميه أمانة، وكل طفل يمثل المستقبل فيه الى الأزل هي الأقدس، وحفظ دم الانسان بطرائق السلام السبيل لديمومته حرا كريما عزيزا في وطنه، فاستدراج طرائق الموت العبثي من أجل إرضاء الذات البشرية أسهل بمليون مرة من صنع السلام على الأرض وإنسانها، فكيف إذا كانت الأرض هي فلسطين، وإنسانها هو شعبها العظيم؟

لا يقبل الوطني العقلاني الواقعي اخذ الموقف الوطني كأقنعة في حفلات تنكرية، أو مجموعة ازياء يختار منها المناسب لنيل إعجاب ورضا أصحاب المحافل الخاصة المغلقة، فالمبادئ ترسم وحدانية الوجه واللسان والمعايير، وتبدو للعالم، نظريًا وعمليًا في المنهج والسلوك والفعل! أما من جرد نفسه من العقل، والتعقل، واتخذ الأسلوب هدفًا، وشرعن المراوغة والخداع والكذب والتضليل أسلوبًا وضيعًا لتحقيق مكاسب فئوية حزبية، حتى لو كان ثمنها تبديد عقيدة الوطن، وسفك دم إنسانه دونما رحمة، ودفع المواطن نحو جحيم (مسلخ العدو) تحت عناوين ويافطات مزورة بمصطلحات مقدسة،  فهذا منسلخ بإرادته عن الوطنية، منذ أدائه قسم الولاء لجماعة تكفر أصلاً بالوطن والوطنية، ومنفصل عن واقعه، يمنح الوطنية لمن تبعه كالأعمى، وينفيها عن الآخرين فقط لأنهم عقلاء أحرار وقرارهم مستقل! فهذا (المتكئ المرتاح) في جنان فنادق العواصم الوارفة، لا يرى إلا معادلة واحدة: فلسطيني مسفوك دمه ومدمر بيته أكثر، يساوي حفنة دولارات أكبر، فأين موقع هذا الجاهل من العقل الوطني؟!