بقلم: إسراء غوراني
منذ سبعة أشهر، فقد "أبو جهاد" من قطاع غزة فرصة عمله داخل أراضي الـ48، حيث غادر مكان عمله في ظروف صعبة تزامنًا مع بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بعد أن شرعت سلطات الاحتلال بملاحقة العمال واعتقالهم والتنكيل بهم، ومنذ ذلك الحين، يقيم "أبو جهاد" في إحدى محافظات الضفة الغربية، على أمل حصوله على أية فرصة عمل، بالرغم من أن فرص العمل في الضفة باتت محدودة وشبه منعدمة تبعا لظروف العدوان وانتهاكات الاحتلال المتصاعدة، وعله يتمكن من توفير بعض المال بين حين وآخر وإرساله لعائلته التي ترزح في شمال غزة تحت وطأة العدوان لحين التئام شملهم.
ويروي عدد من عمال قطاع غزة الذين كانوا يعملون في أراضي الثمانية والأربعين المحتلة، تفاصيل معاناتهم منذ بداية العدوان في السابع من أكتوبر الماضي، حيث نكلت سلطات الاحتلال بهم، واقتحمت أماكن سكنهم في ورش العمل، واعتدت عليهم، واعتقلت عددًا كبيرًا منهم، وقامت بترحيلهم للضفة في ظروف غاية في الصعوبة.
يتشابه واقع العمال من الضفة الغربية مع نظرائهم من قطاع غزة، إذ يشير أحد العمال من محافظة طوباس والذي كان يعمل في احدى الورش الإسرائيلية، إلى أنه منذ سبعة أشهر فقد عمله نهائيًا، وفق مصدر دخله الوحيد الذي يعيل منه عائلته.
وقال أبو جهاد: أنه على مدار الأشهر السبعة الماضية لم يوفر جهدًا في البحث عن فرصة عمل في السوق المحلية في الضفة الغربية ليتدبر أمور عائلته، سواء في قطاعات البناء أو الزراعة أو غيرهما، لكنه لم يوفق في الحصول على عمل سوى لأيام معدودة طيلة أشهر، وبأجر زهيد لا يكفي لسد رمق أبنائه، حيث ألقت ظروف العدوان والإغلاقات بظلالها على كافة قطاعات العمل المحلية في فلسطين، وفيما توقفت قطاعات العمل بشكل كامل في قطاع غزة، تشهد غالبية قطاعات العمل في الضفة تعطلاً كبيرًا وتضررًا، ما أدى إلى إغلاق العديد من مشاريع العمل الصغيرة، وتسريح أعداد كبيرة من العمال في العديد من القطاعات.
وتشير تقديرات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين إلى أن حوالي 500 ألف عامل من الضفة وغزة فقدوا فرص عملهم خلال الأشهر الأخيرة، تزامنًا مع العدوان على قطاع غزة، وهذه الأرقام تشمل قرابة 200 ألف عامل داخل أراضي الـ48، بالإضافة إلى العاملين في السوق المحلية.
في هذا السياق، قال الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر سعد: إن كل الإحصائيات الأخيرة تشير إلى ارتفاع نسب البطالة بين العمال الفلسطينيين بشكل غير مسبوق، مؤكدًا أن قطاع عمال الداخل هو القطاع الأكثر تضررًا، حيث كان يضم قرابة الـ200 ألف عامل، والآن حوالي 85 بالمئة منهم لا يعملون نهائيًا، كما أن قطاع العمل المحلي داخل قطاع غزة تضرر بشكل شبه كامل، ويضاف إلى ذلك الخسائر الكبيرة في قطاعات العمالة في الضفة الغربية بسبب ظروف الحواجز والإغلاقات والاقتحامات اليومية، مشيرًا إلى أن قيمة الخسائر المالية لقطاع عمال أراضي الـ48 يبلغ مليار شيقل شهريًا، وبالتالي فإن مجمل الخسائر في هذا القطاع منذ بداية العدوان فاقت السبعة مليارات شيقل.
وأوضح سعد، أن حجم الخسائر في قطاعات العمل خلال سبعة أشهر يعتبر الأكبر والأصعب من أي وقت آخر خلال السنوات الماضية، حيث انعكست هذه الخسائر على كامل مناحي الاقتصاد الفلسطيني.
وفضلاً عن فقدان فرص العمل، نوه سعد إلى أنه تم تسجيل انتهاكات خطيرة بحق العمال خلال الفترة الماضية ممن يعملون في الداخل، حيث تم اقتحام أماكن عملهم وسكنهم تزامنًا مع بداية العدوان على غزة، وتمت ملاحقتهم والتنكيل بهم وإخضاعهم للتحقيقات، وخاصة العمال من قطاع غزة حيث تعرض مالا يقل عن 70 بالمئة منهم للاعتقال والتحقيق والتنكيل، ونتيجة لظروف الملاحقة والتحقيق القاسية استشهد عدد من العمال من قطاع غزة، كما أنه تم ترحيلهم إلى الضفة الغربية في ظروف صعبة، وبين الحين والآخر تداهم سلطات الاحتلال أماكن إقامتهم في الضفة وتعتقلهم وتنكل بهم وتخضعهم للتحقيقات القاسية، وبالإضافة إلى عمال غزة تم اعتقال مئات العمال من الضفة على فترات من أماكن عملهم أو خلال توجههم لهذه الأماكن وتم فرض غرامات مالية عليهم، وعلى هذا النحو قفز مستوى الفقر بين الفلسطينيين إلى الضعف خلال الأشهر السبعة الأخيرة.
وفي هذا الاتجاه، يشير جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني في تقرير إحصائي، نشره أمس الثلاثاء، الى أنه مع بداية العدوان على قطاع غزة، قفزت معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة (تشير التقديرات إلى ارتفاع معدلات البطالة لتصل إلى 75% في الربع الرابع من العام 2023 مقابل 46% في الربع الثالث من عام 2023). مما يعني فقدان ما لا يقل عن 200 ألف وظيفة خلال الشهور الثلاثة الأولى من العدوان".
ويوضح التقرير أنه "في ظل العدوان المستمر على قطاع غزة وما نتج عنه من توقف للاقتصاد في قطاع غزة ولأجل غير معلوم، يصبح الحديث عن سمات العمالة في قطاع غزة غير واقعي"
ويضيف التقرير أن "هذا الأثر لم يقتصر على قطاع غزة، وإنما انعكس على الضفة الغربية أيضاً، بسبب تشديد الخناق على محافظات الضفة، وتقطيع التواصل بينها، ومنع وصول العمال للعمل في الداخل المحتل، كل هذه الأسباب وغيرها أدت إلى شل الحركة الاقتصادية، مما كان له تأثير مباشر على سمات القوى العاملة في الضفة الغربية. ووفقًا لذلك، فقد ارتفع عدد العاطلين عن العمل الى 317 ألف في الربع الرابع 2023 مقارنة مع حوالي 129 ألفاً في الربع الثالث 2023 قُبيل العدوان، كما ارتفعت معدلات البطالة بين الأفراد المشاركين في القوى العاملة في الضفة الغربية في الربع الرابع 2023 إلى حوالي 32% مقارنة مع حوالي 13% في الربع الثالث 2023".
وتابع التقرير: "انخفض عدد العاملين في الضفة من حوالي 868 ألف عامل في الربع الثالث 2023 الى حوالي 665 ألف عامل في الربع الرابع 2023 بنسبة 23%، (موزعون على قطاع العمل المحلي في الضفة، والعمال في أراضي الـ48، والعمال في المستعمرات الإسرائيلية)، حيث انخفض عدد العاملين من الضفة الغربية في إسرائيل بشكل كبير جدا ما بين الربع الثالث والرابع 2023 بحوالي 130 ألف عامل نتيجة الاغلاقات المشددة التي فرضها الاحتلال عقب العدوان على قطاع غزة، فبلغ العدد الاجمالي للعاملين في إسرائيل حوالي 17 ألف عامل في الربع الرابع 2023 مقارنة مع حوالي 147 ألف عامل في الربع الثالث 2023، كما انخفض عدد العاملين في المستعمرات الإسرائيلية من حوالي 25 ألف عامل في الربع الثالث 2023 إلى 7 آلاف عامل في الربع الرابع 2023. فيما انخفض عدد العاملين في السوق المحلية في الضفة الغربية من 697 ألف عامل في الربع الثالث 2023 إلى حوالي 641 ألف عامل في الربع الرابع 2023 بنسبة 8%".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها