بقلم: سامي أبو سالم
على مدخل مركز توزيع مساعدات تابع للأونروا بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، كان "سعيد" ينتظر في دور لاستلام كيس دقيق (25 كغم) لعائلته، وبعد زهاء ثلاث ساعات ونيف من الانتظار قطع فيها زهاء 300 متر جاء أحد "المتعجلين" همس في أذنه وحل مكانه.
وقال سعيد، الذي رفض أن يكشف عن اسم عائلته بسبب "تحرجه"، أنه يمتهن الانتظار في الدور لصالح بعض المواطنين مقابل مبلغ من المال: "وقفت اليوم في طابور الطحين مقابل 40 شيقلاً وسأقف مرة أخرى لاستلام نصيبي لكن سأبيع دوري مرة أخرى إن استطعت، وإن لم يعجبني السعر سأستلم طحيني"، مشيرًا إلى أنه يملك محل ملابس في مدينة غزة ولديه مال كافٍ لكنه هرب من بيته وعائلته دون أن يحمل شيئًا ولا حتى وثائق ولا بطاقات بنكية، كما أنه اضطر للعمل في الانتظار فلا يوجد فرص عمل فأنتهز فرصة متسع من الوقت وأنتظر مقابل المال لأشتري طعامًا، ولأعيل أولادي الأربعة وزوجتي واختي ووالدي، مشيرًا إلى أن هذه المهنة متعبة لكن ميزتها أنها لا تحتاج رأس مال.
وكشف سعيد أن الانتظار ليس فقط في طابور الطحين بل أيضًا طابور الخبز والصراف الآلي وبعض المحال التجارية لاستلام معونة غذائية.
وقال محمد ناصر (24 عامًا) نازح مين بيت حانون: أنه أيضًا يمتهن مهنة الانتظار في الطوابير، وأصعب طابور هو الصراف الآلي، فأنا أخرج الساعة الرابعة صباحًا وانتظر 6 أو 7ساعات لاقتراب دور صاحب المصلحة، مشيرًا إلى أنه يتقاضى من 50 إلى 100 شيقل وفقًا للاتفاق ووفقًا لطول المدة.
وهناك أزمة على الصراف الآلي لعدة أسباب أهمها هو أن البنوك أغلقت أبوابها ومعظم الصرافات الآلية متوقفة في قطاع عزة إضافة لتكدس المواطنين في منطقة رفح.
وقد برزت مهنة "لف العجلة" كمهنة جديدة مؤخرًا، حيث يقوم فيها المستخدم بلف عجلة دراجة مرتبطة بماكينة خياطة عند أحد الخياطين ليتمكن من تشغيل الماكنة وتصليح ملابس.
وقال الخياط نسيم قشطة من رفح: أنه ربط ماكنته بعجلة الدراجة بسبب انقطاع الكهرباء بشكل دائم وشح الوقود لتشغيل مولد خاص به، وغالبًا إن القائمين على هذه المهنة هم من الفتية وليس كبار السن.
وقال الأخصائي الاجتماعي طلال أبو ركبة: إن بروز مهن جديدة في الحرب أمر طبيعي لأن المواطنين يعيشون ظروفا طارئة يرافقها مهن طارئة، مشيرًا إلى أن الذين يعملون في هكذا حرف هم غالبًا من العمال الذين كانوا يعملون بالمياومة أو أصحاب الحرف وانقطع رزقهم بفعل الحرب وشح المواد الخام فيضطروا "للإبداع" لانتزاع لقمة العيش.
ففي الطريق الرئيس الذي يربط شرق رفح بغربها طوابير كثير اصطفت على أبواب المخابز وفرع لبنك محلي ومحلات الصرافة وطوابير داخل مدارس الايواء في انتظار معونة غذائية غير مؤكدة.
أما عن الحرفة الجديدة فهي تعبئة أنبوبة غاز الطبخ، وهي من أهم الحرف التي طرأت، وفيها يتحمل العامل مسؤولية تعبئة أنبوب الغاز مقابل مبلغ مادي.
وقال محمد عيد (27 عامًا)، من مدينة رفح: إن سعر الأنبوبة الرسمي هو 72 شيقلاً لكن مع أزمة الغاز ارتفعت إلى زهاء 100 في حال أن الزبون سينتظر دورًا يستمر تقريبًا أسبوعين، وبمعارفي وعلاقاتي بالمدينة أستطيع أن أعبئها في يومين مقابل 200 شيقل.
ويعيش قطاع غزة في أزمات لا تُحصى أبرزها أزمة شح مصادر الطاقة لأن قوات الاحتلال تمنع دخول الطعام ومشتقات الوقود للقطاع منذ بداية العدوان، فلا كهرباء على الاطلاق وهناك شح كبير في الوقود وغاز الطبخ والطعام، ولكن بعد ضغوط دولية تدخل بعض الشاحنات المحملة بكميات قليلة لصالح مؤسسات خيرية ودولية.
وبرزت مهنة صناعة الخيام وفيها يقوم الصانع بتثبيت خشبات في الأرض وتغطيتها بشوادر بلاستيك أو قماش.
وازداد الطلب على هذه "الحرفة" بعد موجة النزوح الأخيرة من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، إلى رفح في أقصى الجنوب.
وقال تامر بركات، نازح من شمال غزة لرفح: أنه يعمل في نصب الخيام لمساعدة نفسه وأهله في ايجاد مصدر وزق وسط البطالة، مشيرًا إلى أنه يشتري بعض الخشب والمستلزمات ويثبت الخيمة في المكان الذي يرغب صاحبها ويتقاضى أجر يده أو تكون كصفقة أجرة العمل وثمن المواد الهامة، ويربح من كل خيمة نحو 100 شيقل.
وقال رائد جبر من جباليا: أن مهنة صانع المراحيض هي إحدى المهن الصعبة التي تحتاج مهارة خاصة وقوة بدنية، وتحتاج أدوات كثيرة ومكلفة ماليًا للنازحين، كما أن العامل فيها يحفر حفرة يسميها "بئرًا" بطول متر واحد تقريبًا ويغطيه بلوح معدني أو بأي جسم صلب ثم يصله بأنبوب بمرحاض افرنجي أو شرقي.
وقال جبر: أن الأدوات والمعدات باهظة الثمن لذا يطلب البعض بصب أرضية خرسانية يتوسطها فتحة للفضلات وينتهي الأمر دون تمديدات مياه، وتنتشر الحمامات الفردية في مخيمات النزوح، وهناك بعض المخيمات تُنصب فيها حمامات جماعية، ٣ حمامات للنساء و٣ للرجال في زاوية أخرى من المخيم لكن يتجنبها الناس حفاظا على الخصوصية.
ويعيش في رفح أكثر من مليون نازح وفقا لتقديرات أممية، نزحوا من مختلف أنحاء القطاع، في عشرات المخيمات في مناطق مختلفة من مدينة رفح التي يبلغ عدد سكانها زهاء 300 ألف نسمة، كما انتشرت في قطاع غزة، سيما في مخيمات النزوح، مهنة "شحن الهواتف والبطاريات"، وفيها ينصب صاحب المصلحة لوحة تحول الطاقة الشمسية إلى كهربائية ويشحن هواتف وبطاريات المواطنين مقابل مبلغ مادي.
وقال وائل سلامة صاحب لوحة طاقة: أنه يتقاضى شيقل واحد مقابل شحن الهاتف النقال وشيقلين مقابل بطاريات حفظ الطاقة (الباور بانك) و٥ لشحن اللابتوب وشيقلين لمكنة حلاقة.
وقال سلامة الذي نزح من دير البلح (وسط القطاع): أن الدخل اليومي عليه بمتوسط 70 شيقل هي المصدر الوحيد لعائلته التي تعيش الآن في خيمة بعد نزوحها منذ زهاء 3 شهور.
كما وانتعشت أوجه تجارة مثل بيع الطحين والمأكولات المعلبة، فيستلم النازح كيس طحين أو معلبات من أي جهة فيبيعها أو يبيع جزء منها ليشتري شيئًا آخر مثل أدوية أو حفاضات للأطفال أو لكبار السن الأطفال، كما قال عماد الحاج (32 عامًا) الذي يبيع معلبات على طاولة في شارع رئيس برفح.
وأضاف عماد: أن من أهم التجارات هي بيع السجائر "الفرط" التي يشتري فيها الزبون سيجارة واحدة فبات من المستحيل شراء علبة سجائر لأن ثمنها يبلغ زهاء 100 دولار أميركي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها