بقلم: محمد العمري
تحولت ملاعب قطاع غزة وصالاتها الرياضية من مكان مفعم بالنشاط والأحلام بالوصول إلى الاحتراف والعالمية، إلى مقابر جماعية للشهداء، ومراكز تحقيق وتعذيب، بفعل عدوان الاحتلال المتواصل على القطاع منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
فقدت الرياضة الفلسطينية خلال الـ144 يومًا من العدوان، أكثر من 183 من كوادرها في شتى القطاعات، سواء أكانوا لاعبين ولاعبات في كل الألعاب من كرة القدم إلى كرة الطائرة، أو الأطقم الرياضية والفنية من مديرين فنيين وحكام وغيرهم، إضافة إلى اعتقال وإصابة العشرات منهم وتسجيل حالات بتر في الأطراف لعدد من اللاعبين، بحسب اللجنة الأولمبية الفلسطينية.
ورغم أن الملاعب والصالات الرياضية، تُعتبر منشآت محمية بموجب القانون الدولي، إلا أن قوات الاحتلال استهدفت 37 منشأة رياضية، ما أدى إلى تدمير 17 منها بشكل كامل، وتحويل العديد منها إلى مراكز توقيف وتحقيق، تمارس فيها شتى أنواع التعذيب والقهر بحق أبناء شعبنا.
وكان من بين الشهداء الرياضيين، 85 لاعبًا يمارسون كرة القدم في أنديتهم المحلية، و44 من مختلف الاتحادات الجماعية والفردية، و24 شهيداً من الكشافة.
نجمة فلسطين في رياضة الكاراتيه نغم أبو سمرة (26 عامًا) إحدى اللاعبات التي كان يتنبأ لها الجميع بمستقبل كبير، لكن آلة الحرب الإسرائيلية أنهت حياتها، بعد شهر من دخولها في غيبوبة، جراء إصابة خطرة تعرضت لها في غارة استهدفت منزل عائلتها في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة. الأمر ذاته ينطبق على لاعبة الكاراتيه الطفلة ياسمين شرف (6 أعوام)، التي حلمت بأن تكبر وتمثل فلسطين في ميادين الرياضة، لكن طائرات الاحتلال دمرت منزلها وقتلتها وأحلامها برفقة أفراد أسرتها.
عدوان الاحتلال المتواصل على غزة تسبب بتوقف أحلام لاعبين من الفئات العمرية والأشخاص ذوي الإعاقة أيضًا، فقد استُشهد لاعب كرة القدم لقصار القامة أحمد عوض سلمان، ولاعبا أكاديمية نادي هلال غزة الشقيقان محمود ومحمد أبو دان، واللاعب هلال دبور من الفريق ذاته، ولاعب الفئات بأكاديمية خدمات خان يونس محمد قنن، ولاعبا أكاديمية سكور الشقيقان عبد الله ومحمد أبو سنيمة، ولاعب فئات نادي مركز طولكرم أسامة أبو نهار، ولاعب أكاديمية السامبا عبد القادر العطار.
وقبل أيام قليلة، فُجعت الرياضة الفلسطينية، بخبر استشهاد الحكم الدولي الفلسطيني محمد خطاب وعائلته في قصف طائرات الاحتلال لمنزله بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة.
ويعد خطاب أحد الحكام المعتمدين لدى الاتحادين الآسيوي والدولي لكرة القدم، وشارك في إدارة عدد من البطولات الآسيوية والعربية منذ اعتماده عام 2020.
وكان من أوائل شهداء الحركة الرياضية عمر أبو شاويش، عضو مجلس إدارة اتحاد الثقافة الرياضية، الذي استُشهد يوم السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أثناء ممارسة النشاط الرياضي على شاطئ غزة، ولاعب المنتخب الوطني للجودو عبد الحافظ المبحوح، الذي ارتقى في الثامن من الشهر ذاته، ومن أبرز الرياضيين والإداريين الذين استُشهدوا رئيس اتحاد كرة الطاولة محمد الدلو.
وشكل استشهاد الكابتن هاني المصدّر المدرب العام للمنتخب الوطني الأولمبي، جراء إصابته بشظايا صاروخ، قرب منزله في قرية المصدّر بمحافظة الوسطى، خسارة كبيرة لكرة القدم، إضافة إلى مدرب المنتخب الوطني الفلسطيني لألعاب القوى بلال أبو سمعان.
في غزة، من لم يغيبه الموت عن الملاعب، فستحرمه إصابته استكمال حلمه، فعشرات اللاعبين أصيبوا بجروح مختلفة، وبعضهم بُترت أطرافهم جراء الإصابة، ما سيحرمهم من استكمال مشوارهم الرياضي وتمثيل فلسطين في المحافل العربية والدولية، ومنهم: عبد الله الصوفي لاعب شباب رفح، وسعيد الكرد مدرب نادي خدمات المغازي، ومحمد الرخاوي، وإسلام الشخريت حكم كرة قدم، ومحمد إسليم نائب رئيس اللجنة الفنية في اتحاد التايكواندو، وطاهر النجار لاعب كرة الطائرة، وعبد الله العرقان لاعب كرة الطائرة، وحكم الكراتيه تسنيم شعبان.
وخلال حربها المسعورة على القطاع، لم تستثنِ قوات الاحتلال من بنك أهدافها المنشآت والبنية التحتية الرياضية، فحولت عددا من ملاعب القطاع إلى مراكز اعتقال وتنكيل وإعدام، مثلما حدث في ملعب اليرموك بمدينة غزة الذي يعد من أقدمها.
وأظهرت مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل جنودًا من الاحتلال يحتجزون عدة مدنيين في أحد الملاعب، بعد أن جردوهم من ملابسهم.
كما قصفت طائرات الاحتلال ملعب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي برفح، ومقر نادي فريندز للفروسية حيث تم تدميرهما بالكامل، ونادي خدمات جباليا، وملعب البيسبول والسوفتبول في مخيم الشاطئ، كما دُمرت مقرات اللجنة الأولمبية الفلسطينية، والاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، والمجلس الأعلى للشباب والرياضة، وملعب فلسطين، وملعب غزة الرياضي، وإستاد المدينة الرياضية في خان يونس، والعشرات من مقرات الأندية، والملاعب المختلفة في القطاع.
وجراء العدد الكبر للشهداء نتيجة العدوان، والذي وصل إلى 29878 ألف شهيدٍ، تحولت بعض الملاعب إلى مقابر جماعية تُدفن فيها جثامين الشهداء، لتعذر وجود أماكن لدفنهم، كما حدث في ملعب ترابي لكرة القدم، يقع خلف المستشفى الإندونيسي.
جرائم الاحتلال بحق الرياضة والرياضيين الفلسطينيين، أكدت من جديد ازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع كل ما يتعلق بفلسطين.
ورغم تواصل العدوان منذ 144 يومًا، لم تتخذ أي هيئة دولية رياضية قرارًا بمعاقبة إسرائيل أو حتى إيقاف أي رياضي أو نادٍ أو منتخب إسرائيلي، على الجرائم المرتكبة بحق الرياضة والرياضيين الفلسطينيين، في الوقت الذي عوقبت فيه روسيا منذ بداية حربها على أوكرانيا، ومُنعت منتخباتها الوطنية من المشاركة في البطولات الدولية.
ورفضت اللجنة الأولمبية الدولية، محاولة روسيا مقارنة موقف اللجنة من روسيا وإيقاف الرياضيين الروس ومعاقبتهم، وموقفها من الرياضيين الإسرائيليين، بعد حرب إسرائيل على غزة، ووصفت المقارنة بأنها "ليست في محلها"، وأكدت أنها ستواجه بقوة أي تمييز ضد الرياضيين الإسرائيليين في محافلها، مثل رفض رياضيين من دول أخرى خوض المنافسات أمامهم على خلفية الحرب على غزة.
في السياق، طالب نواب معارضون في فرنسا اللجنة الأولمبية الدولية بفرض عقوبات على إسرائيل في أولمبياد باريس 2024، الذي ستستضيفه بلادهم صيف العام الجاري، نتيجة العدوان المستمر على غزة الذي أسفر عن استشهاد وجرح عشرات آلاف الفلسطينيين.
جاء ذلك خلال رسالة أرسلها 26 نائبًا من حزبي "فرنسا الأبية" و"الخضر" المنتميين إلى تحالف نوبيس اليساري، إلى رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ.
واشتدت الدعوات في الأسابيع الأخيرة لحظر المشاركة الإسرائيلية في الرياضة الدولية بسبب العدوان على غزة، إذ جمع نشطاء إيرلنديون 72 ألف توقيع على عريضة جديدة، نشرتها "حركة الديمقراطية في أوروبا 2025"، تدعو إلى تعليق مشاركة إسرائيل في الرياضة العالمية.
وطالبت العريضة "المجتمع الدولي والمؤسسات والاتحادات الرياضية الدولية وكل دول العالم الحر بالتحرك العاجل واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة".
ومع اقتراب انطلاق الألعاب الأولمبية في باريس في تموز القادم، ومباريات المنتخب الإسرائيلي لكرة القدم للرجال الملحق في مارس/آذار القادم للتأهل لبطولة أمم أوروبا هذا الصيف في ألمانيا، يتعرض المسؤولون الرياضيون لضغوطات من أجل اتخاذ قرار.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها