ابتلي الشعب الفلسطيني بفئة لا يقل خطرها على الشخصية والهوية الوطنية الفلسطينية، وعلى ثقافة وأخلاقيات وسلوكيات الفرد والمجتمع الفلسطيني، عن خطر المشروع الاستعماري الصهيوني، الذي استهدف تفريغ أرض الوطن التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني (فلسطين) من أصحابها التاريخيين، باستخدام المجازر والتهجير تحت وطأة الارهاب المسلح، والاحتلال والاستيطان، وما حملة الإبادة الصهيونية الاستعمارية الدموية مستمرة، والرقم اللانهائي حتى اللحظة الذي يشير الى أكثر من 40 ألف شهيد وأكثر من 70 ألف مصاب، في انحاء فلسطين المحتلة كافة، إلا ليؤكد أن هؤلاء قد تجاوزوا حدود العبث السياسي، وتوغلوا في عمق مسارات الحياة الخاصة والعامة للشعب الفلسطيني، في محاولة لتدمير صورته الحضارية اولا، والعربية، وجوهر ثقافته الروحية القائمة على الاخاء والسلام والمحبة، عبر وسائل كثيرة، عندما موهوا توغلهم المدمر بمصطلحات "الدعوة" وتنكروا بسلوكيات ومظاهر شخوصها الحقيقيين، لتسهيل عملية الاختراق والتمركز تمهيدا لتفريغ الشخصية الانسانية للفلسطيني من الفكر، والقدرة على التفكير والتحليل والإدراك واستخلاص العبر، ودمغها بطابع التسليم المطلق، بتفوهات الناطقين باسم جماعة الاخوان المسلمين، منذ انشاء هيكلهم التنظيمي سنة 1928، بالتزامن مع نشوء وعي وطني لدى الشعب الفلسطيني، وابتداء حركاته وثوراته الوطنية ضد المشروع الاستعماري – الصهيوني، انكشف تماما، بوعد بلفور سنة 1917... فهؤلاء ما صنعوا إلا لمواكبة مسار المشروع الاستعماري الدولي - الصهيوني، ولكن باستخدام ( الدين المزيف ) لتهجير الفرد والمجتمع من جنة الوطنية الانسانية، وصولا الى ذروة اهدافهم بنزع المقومات والمكونات الأساسية التي كان عليها الشعب الفلسطيني قبل النكبة، وتحويله الى مجرد تجمعات سكانية في مدن وأرياف وبادية!
وبذلك التقوا مع الدعاية الصهيونية المروجة لمصطلح السكان، فهؤلاء انكروا الهوية الوطنية والعروبية والإنسانية الحضارية للشعب الفلسطيني، وسعوا لتذويبه في بوتقة مفاهيمهم النافية لمبدأ ارض الوطن، والكيان السياسي للشعب ( الدولة ) بما في ذلك القرار الوطني المستقل، وسلطوا نيرانهم الشديدة على حركة التحرر الوطنية الفلسطينية ليس لتذويبها وصهرها وحسب بل لتبخيرها نهائيا، ومحو معالمها من الذاكرة، باعتماد الكذب والدجل والتزوير والتحريف، كسلاح أشد تأثيرا لاستئصال الفكر الوطني التحرري التقدمي الانساني، ليس مجال العمل السياسي وحسب، في الموروث الثقافي والمقدسات، لتكريس مشروعهم السياسي!
يحضرنا هنا (يوزاف غوبلز ) مسؤول الدعاية في الحزب النازي والأقرب لهتلر أثناء حكمه، الذي كرس مقولة: "اكذب، ثم اكذب حتى يصدقك الناس" وبات مثلا لكل من يحاول نسف الحق والحقائق والحقيقة، هذا الذي نعتقد أنه قد تعلم من جماعة "الاخوان المسلمين" هذه القاعدة في الدعاية لأنفسهم وضد خصومهم، وبات لزاما بعد انتحاره في اليوم التالي لانتحار هتلر في شهر ابريل/ نيسان سنة 1945 البحث عن اسم من جماعة الاخوان المسلمين، ليكون مثلاً، باعتبارهم المصدر لكن المشكلة تكمن في صعوبة اختيار اسم منهم ليحل مكان غوبلز كمثال على (منهج الكذب ) كبديل عن الحقيقة، ذلك أنهم بالمئات، ويتنافسون في ابراز حرفيتهم بالضرب على هذا المنوال .. فقبل يومين مثلا – ظهر محمد نزال – اثناء لقاء تلفزيوني بثته فضائية عربية - نائب رئيس من رؤوس حماس المتعددة – فرع الجماعة المسلح في فلسطين – ليقول :" إن خلاف حماس مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وحركة فتح ليس سياسيا، وإنما بسبب رفض حماس الاعتراف بإسرائيل"! وإمعانا في (الغوبلزية ) قال :" إن المنظمة وحركة فتح يطالبان حماس بالاعتراف بإسرائيل! لكن كيف لحركة فتح أن تطلب من جماعته ( حماس) ما لم تفعله الحركة أصلا، أما قيادة المنظمة – وحسب قرارات مؤتمرات مجلسها الوطني - فإنها تؤكد على حماس وغيرها ضرورة احترام التزامات المنظمة بقرارات الشرعية الدولية ( مئات القرارات ) ذات الصلة بالحق الفلسطيني ( القضية الفلسطينية )، ذلك لأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، أي الدولة المعنوية للشعب الفلسطيني، فالمنظمة شرعية وطنية تحظى باعتراف دولي عالمي، لا يحق لأي فصيل الخروج على رؤية المصالح العليا للشعب الفلسطيني التي جسدتها قرارات المجلس الوطني الذي يمثل قطاعات الشعب الفلسطيني كافة ذات أغلبية الثلثين تقريبًا، وليس الفصائل وحسب، فالكذب عبر شاشات الفضائيات، ومنابر المساجد، لن يبدد الحقيقة وهي ان رئيس الشعب الفلسطيني أبو مازن قد اختار الصدق والصراحة منهجا لسياسته العقلانية، لأنها السبيل لعكس شعاع الحق الفلسطيني الأزلي إلى ضمائر شعوب الأرض.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها