استمعت لمداولات مجلس الأمن أمس الأربعاء 31 يناير الماضي، والتي لم تفضِ للتصويت على مشروع القرار الجزائري حتى لحظة أعداد المقال، وسعت فيها المندوبة الأميركية، غرينفليد إلى قلب الحقائق، حيث ذكرت في مداخلتها أن التدابير التي اتخذتها محكمة العدل الدولية لم تطالب بوقف اطلاق النار، كما أنها سمحت لإسرائيل مواصلة "الدفاع عن النفس"، وكلا الاستنتاجين يشيان بعدم مصداقيتها. لأن مجمل التدابير والاحكام المؤقتة لمحكمة لاهاي تتضمن بشكل غير مباشر ضرورة وقف حرب الإبادة الجماعية فورًا، وإن لم تنص عليه صراحة، وإلا ماذا يعني أولاً قبول دعوى دولة جنوب إفريقيا، التي أشارت فيها إلى ارتكاب إسرائيل جرائم حرب إبادة؟ وكيف يمكن تأمين حماية المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة من أية أعمال إبادة جماعية؟ وكيف سيتم إدخال المساعدات الإنسانية كافة دون قيود للشعب الفلسطيني في قطاع غزة؟ ولماذا دعت لعدم التحريض على أعمال الإبادة الجماعية؟ وكيف تسمح الإدارة الأميركية لنفسها تشويه التدابير التي صادق عليها القضاة ال15 وبرئاسة القاضية الأميركية، وتدعي أنها سمحت لجيش الإبادة الإسرائيلي ب"حق الدفاع عن النفس"؟
لكنها الولايات المتحدة الأميركية التي شلت حتى الآن مجلس الأمن من اتخاذ قرار دولي ملزم بوقف حرب الإبادة التي قادتها هي وحلفائها مع دولتهم اللقيطة إسرائيل ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا، رغم مرور 118 يومًا عليها، وأودت إلى استشهاد نحو 27 ألف شهيد و66 ألف جريح ونحو 10 آلاف مفقود ومعتقل. وكما فعلت على مدار تاريخها الوحشي منذ قامت على إنقاض حرب إبادة ضد سكان أميركا الأصليين ذهب ضحيتها 105 ملايين إنسان، وكما فعلت في فيتنام ولاوس وكمبوديا والكوريتين مطلع الخمسينيات وأفغانستان وباكستان وإيران 1952ودول اميركا اللاتينية المختلفة وخاصة في تشيلي وبنما وكوبا ونيكاراغوا وفنزويلا وهندوراس والبرازيل وكولومبيا والسلفادور وغيرها من الدول، وحدث ولا حرج عن جرائمها في افريقيا والدول العربية في العراق وسوريا وليبيا والسودان والصومال واليمن وحتى مصر بوقوفها خلف تسيد الاخوان المسلمين في عام 2012 على مركز القرار، فهي لا تتورع عن قلب الحقائق، وتزييف الاحكام لاعلى محكمة دولية. لأن تاريخها موصوم بالاكاذيب وقلب الحقائق.
ومن القراءة السريعة لمداخلة المندوبة الأميركية، أعتقد أن واشنطن لن تسمح لمشروع القرار الجزائري بالمرور، وستستخدم ضده حق النقض الفيتو، أو تعمل على تصفية مضامينه الواضحة بوقف الحرب فورًا، ولا أعتقد أن دولة المليون ونصف المليون شهيد ستقبل تمييع مشروع قرارها، الذي دعمته العديد من دول مجلس الان من خلال مداخلات مندوبيها وخاصة ممثلة جنوب إفريقيا صاحبة الدعوة القضائية، التي فندت أكاذيب الممثلة الأميركية، وأوضحت بشكل جلي على ضرورة العمل على وقف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وأيدت المقترح الجزائري.
وكما نعلم أن إدارة بايدن تعمل بشكل حثيث على الالتفاف على مشروع القرار الجزائري عنوان مداولات الامس في مجلس الامن من خلال العمل مع الوسطاء العرب على إتمام صفقة تبادل للأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين على دفعات مقابل هدن ممسوخة لا تفضي لوقف الحرب المروعة والفضيعة، وبغض النظر عن مدتها إن كانت شهر ونصف أو أكثر، فطالما الصفقة لاتنص على وقف حرب الإبادة الجماعية فورا، وتبقي يدها ويد ربيبتها إسرائيل هي العليا، وصاحبة قرار الحرب بهدف إبادة والتهجير القسري لابناء الشعب العربي الفلسطيني، فإن كل الصفقات لا تساوي الحبر الذي تكتب فيه، ولا تمثل شيئًا. لأن الشعب العربي الفلسطيني الذي دفع أعلى فاتورة من دماء وحياة أبنائه وأطفاله ونسائه على مر العصور لن يقبل هذه المساومة الرخيصة.
الشعب الفلسطيني وقيادته يريدون وقفًا فوريًا للحرب، وإدخال المساعدات الإنسانية، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع دون شروط، ودون تدخل في اليوم التالي للحرب بالشؤون الفلسطينية، التي هي ملك للفلسطينيين انفسهم، وعدم التهجير القسري، ودخول المساعدات الإنسانية لابناء الشعب المنكوبين بالموت والدمار والجوع والفقر والفاقة والأمراض والأوبئة والحرمان من أبسط معايير الحياة الإنسانية، والذهاب للحل السياسي بعقد المؤتمر الدولي للسلام وتكريس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967، دون ذلك يصبح هراء.
وعليه على المجتمع الدولي أن يتخذ التدابير والإجراءات القانونية لعزل الولايات المتحدة وإسرائيل من هيئة الأمم المتحدة في حال استخدمت حق النقض الفيتو، وتعريتها وعزلها عالميًا. لأن بقاء تغولها على الهيئة الأممية الأولى يعني تعميم الفوضى والفلتان الأمني في العالم، وتهديد السلم العالمي، وتسيد قانون الغاب على البشرية اجمع.
ملاحظة بشأن مقالة امس: منظمة الصحة العالمية تطالب الدول بإيجاد 2,6 سرير لكل 1000 مواطن، وليس سرير لكل 1000. وجب التصويب في مقالة أمس "ضرورة الإصلاحات ومحاذيرها".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها