بقلم: أسيل الأخرس 

تتجه أنظار المؤمنين بالقانون الدولي وبعدالة قضيتنا وبحق شعبنا الفلسطيني بالعيش بحرية وسلام في أرضه، إلى مدينة لاهاي الهولندية، التي شهدت اليوم أولى جلسات محاكمة اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، في الدعوى التي قدمتها ضدها جمهورية جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية، وتتهمها بارتكاب جريمة "إبادة جماعية" بحق شعبنا في قطاع غزة.

وتقف العدالة الدولية أمام اختبار حقيقي، بانتظار قرار عاجل من "محكمة العالم" يفضي بوقف فوري للعدوان على شعبنا في قطاع غزة ويضمن تدفق المساعدات الانسانية ويمنع التهجير القسري، وآخر نهائي قد يستغرق وقتًا، لإدانة إسرائيل بتنفيذ جريمة "الإبادة الجماعية".

وبدأت جلسات المحكمة بمرافعة استهلالية قدمها وكيل دولة جنوب إفريقيا، ووزير العدل رونالد لامولا، تلتها مرافعة ممثلة جنوب إفريقيا أمام المحكمة، وتستمر جلسات الاستماع حتى غد الجمعة اذ ستقدم إسرائيل مرافعتها.

وقال وزير العدل محمد الشلالدة: إن قرارات المحكمة ملزمة، شأنها في ذلك شأن الأحكام النهائية، وإن أول إجراء ستتخذه بناء على الدعوى المقدمة من جنوب إفريقيا، هو اتخاذ تدابير مؤقتة، وفق ما نصت عليه اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وضمان وصول المساعدات الغذائية والطبية والانسانية.

وأضاف؛ أن محكمة العدل الدولية، أصدرت منذ تأسيسها أكثر من 150 حكمًا قضائيًا، وجميعها تم الالتزام بتنفيذها، وأن جميع الأحكام الصادرة عنها نهائية وغير قابلة للاستئناف.

وأشار إلى أن الدول المعنية التي تمثل أمام المحكمة تتعهد تلقائيا باحترام قراراتها الملزمة، وفي حال رفضت إسرائيل تطبيقها، فيمكن لجنوب إفريقيا اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، مؤكدًا أنه بموجب الوزن القانوني والمعنوي للمحكمة، فإنه من النادر أن تصل الأمور إلى هذه المرحلة.

وبين الشلالدة أن محكمة العدل الدولية تعمل على مستويين، الاول: الاختصاص القضائي بالنظر في المنازعات مثل جريمة الإبادة الجماعية، ولم يسبق أن رفضت دولة قرارات المحكمة، والمستوى الثاني الاستشاري، والذي يحظى بقيمة قانونية وأخلاقية ومعنوية عالية، ومن قراراتها في هذا المجال: فتوى لاهاي حول جدار الفصل العنصري، والرأي الاستشاري الذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الاثار القانونية المترتبة على الاحتلال وما يرافقه من أهمية كونه جاء بموجب تصويت من دول العالم.

ولفت الشلالدة إلى أن إسرائيل طرف في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وأنها طرف أساس في محكمة العدل العليا، وقبلت المثول أمام المحكمة، ما يعني أنها مجبرة على الالتزام بتنفيذ قراراتها.

وحذر من أن أي تخاذل في تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير من شأنها وقف العدوان على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، من شأنه تهديد مصداقية العدالة الدولية، والدول التي تربطها علاقات مع إسرائيل.

وأوضح أن جنوب افريقيا طلبت كدولة طرف في اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها، من المحكمة، اتخاذ تدابير مؤقتة ترتبط مباشرة بالحقوق الإنسانية وتتعلق بشعبنا الفلسطيني كمجموعة محمية بموجب هذه الاتفاقية، كمسألة ذات أهمية قصوى.

وأضاف: أن التدابير المؤقتة أداة قوية بيد محكمة العدل الدولية، للتصدي لتهديدات حقوق الانسان وتوفير مساحة زمنية لإيجاد حل ملائم لحين صدور قرار نهائي في القضية المرفوعة أمامها "الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل"، والذي قد يستغرق وقتًا لإصداره.

وأشار إلى أن الدعوى المقدمة من جنوب إفريقيا ترتكز على القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والمواثيق الدولية، ومنها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وقدمت دلائل على أن إسرائيل تقوم بجريمة إبادة جماعية، بحق المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، وتحرمهم من الوصول إلى الغذاء والماء والمأوى الآمن والملابس والمواد الطبية، والمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الوقود والكهرباء، بهدف تهجيرهم قسرا.

ولفت الشلالدة إلى أنه بموجب الدعوى ستطالب إسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية في غزة على الفور، وضمان عدم اتخاذ أي وحدات عسكرية أو مسلحة خطوات تتعلق بمواصلة العمليات العسكرية، إضافة إلى إلزام إسرائيل بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني، كمجموعة محمية بموجب الاتفاقية، والكف عن ارتكاب الأعمال التي تقع ضمن نطاق المادة الثانية من الاتفاقية، واتخاذ جميع التدابير لمنع الإبادة، ومنع تدمير أي أدلة تتعلق بالقضية الأساسية والحفاظ عليها، ومنح بعثات تقصي الحقائق والهيئات ذات التفويض الدولي، وغيرها من الهيئات إمـكانية الوصـول إلى غزة.

وأوضح أن الدعوى تناقش نية المسؤولين الإسرائيليين ارتكاب أعمال إبادة جماعية والاستمرار فيها، من خلال تصريحاتهم التي حاولت شيطنة الفلسطينيين ونزع الصفة الإنسانية عنهم لتنفيذ مخططات الإبادة.

من جانبه، قال أستاذ القانون الدولي في جامعة النجاح الوطنية باسل منصور، إن قرار المحكمة باتخاذ تدابير مؤقتة وعاجلة من شأنه منع استمرارية جريمة الابادة الجماعية، التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق شعبنا في قطاع غزة.

وأضاف أن الدعوى التي قدمتها جنوب افريقيا تؤكد بالأدلة على أن إسرائيل تنفذ جريمة إبادة جماعية، خاصة أن أكثر من 70% من الضحايا هم من النساء والأطفال.

وأشار إلى أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين قبل وبعد العدوان على غزة، والتي طالبوا فيها بقصف شامل للقطاع واستخدام أسلحة نووية، تعد انتهاكا صارخا لاتفاقية منع الإبادة الجماعية، وتؤكد النية المبيتة لديهم لتنفيذ هذه الابادة.

وأكد أن على المجتمع الدولي اجبار إسرائيل على تنفيذ أية قرارات ستصدرها محكمة العدل الدولية بشأن الدعوى المرفوعة ضدها، حماية للقانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة المتفق عليه، والذي هو جزء لا يتجزأ من محكمة العدل الدولية.

وكانت محكمة العدل الدولية، قد بدأت أولى جلساتها اليوم لمحاكمة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم "إبادة جماعية" في قطاع غزة، في سابقة تاريخية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وقدمت جنوب إفريقيا إلى المحكمة ملفا محكما من 84 صفحة، جمعت فيه أدلة على قتل إسرائيل لآلاف الفلسطينيين في غزة، وخلق ظروف "مهيئة لإلحاق التدمير الجسدي بهم"، ما يعتبر جريمة "إبادة جماعية" ضدهم.

وستتناول جلسات الاستماع بشكل حصري طلب جنوب إفريقيا باتخاذ إجراءات عاجلة تأمر إسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية في قطاع غزة بينما تستمع المحكمة إلى الأسس القانونية للقضية في عملية قد تستمر لسنوات.

وكانت الأردن وتركيا وليبيا وباكستان وبنغلادش وجزر المالديف وفنزويلا وناميبيا ونيكاراغوا وماليزيا وإندونيسيا وبوليفيا وكولومبيا والبرازيل ومنظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة اسلامية، وجامعة الدول العربية، إضافة إلى 200 بروفيسور وخبير في القانون الدولي معظمهم من جامعات أميركية عريقة، عبروا عن تأييدهم للدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا إلى المحكمة الدولية.