بات مؤكدًا أن النزعة السلطوية الجامحة بلا حدود لدى البعض، ومساعيهم للاستحواذ على مواقع القرار مهما كان الثمن أخطر بكثير من الحملات الدموية والحروب على قضايا الشعوب المناضلة من أجل الحرية والتحرر، فهؤلاء يضربون على نول الحكم حتى لو كانت دماء الشعوب التي يدعون التحدث باسمها، أو التعبير نيابة عنها، أو حتى تمثيل قطاعات من جماهيرها، وبكل أسف فقد أصيبت حالتنا الفلسطينية بهذا الداء، والمؤسف أكثر أننا نلمس آثار هذه النزعة المدمرة لدى محترفي هذا التوجه اللامنطقي المجرد من الموضوعية ممن تولوا فيما سبق من عقود مواقع ومناصب ومراكز مهمة، لا تقل عن مستوى دائرة صنع القرار، فهؤلاء لا يحتاجون منا لجهود بحثية لنعرفهم، فمواقفهم المتغيرة والانقلابية بمستوى 180 درجة، أظهروها للعلن لحظة سحب الثقة منهم إثر خروجهم على إجماع تنظيمي أو وطني، فوسائل الإعلام المحلية والعربية تعج بتصريحاتهم ومقابلاتهم وكتاباتهم، والأهم أن أهدافهم مما يقولون ويصرحون تنحصر في كيفية استعادة مواقعهم، التي يبدو أنهم رغم ضجيجهم الكلامي عن الديمقراطية، وتجديد الدماء، وتنغيمه بعبارات منمقة ومختارة بعناية يصعب على المواطن العادي فهمها أو استيعابها؟.
قد يقول قائل إن حق المواطن في إبداء الموقف والرأي والتعبير مكفول ليس بالقانون وحسب، بل وفق القيم المجتمعية والأخلاقية والشرائع الإنسانية التي أنتجت هذا القانون، ارتكازًا على احترام عقل وفكر ورؤى الإنسان المواطن، وهذا صحيح لا نقاش ولا جدال فيه، لكن وبعدها سنضع ألف علامة استفهام وتعجب، هل يجوز أخلاقيًا في خضم حملة إبادة دموية استعمارية صهيونية على الشعب الفلسطيني، وذروتها الأفظع في قطاع غزة، هل يجوز طرح خطط، أو ما يسمونها افكار ومقترحات لا هدف لها- كما يفهم منهم - إلا كيفية عودتهم للاستحواذ على مواقع القرار، تحت عنوان الانتخابات العامة؟! فور إنتهاء حرب الإبادة على غزة! حتى ليبدو لكل عاقل أن هؤلاء يعيشون رفاهية سياسية يحسدنا عليها السويديون! ليس هذا وحسب، بل إن أحدهم ذهب إلى تبرير انقلاب حماس سنة 2007 أو ما نعته بمصطلح "الانقسام" بسبب تغييب الإرادة الشعبية في الحكم، وكأنه قد أقسم على طمس ذاكرة الجماهير العارفة بكل تفاصيل العقدين الماضيين، وبمسؤولية كل اسم عن مساهمته النظرية والعملية والفعلية في مؤامرة ضرب المشروع الوطني الفلسطيني، فالجماهير لا تخفى عليها الحقائق، ويكفي الشعب الفلسطيني أن سيادة الرئيس أبو مازن كان وما زال الصادق الصريح بلا مواربة، بمواقفه ورؤاه السياسية، وبوجه وطني نقي بلا قناع، قد وضع الشعب بدون استثناء بصورة الحقائق والوقائع وشرح لماذا لا يمكن إجراء انتخابات.
بدون القدس، وثبت مقولة: "لا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة" أما هؤلاء فإنهم يروجون لانتخابات بدون القدس – على طريقتهم العبثية - ويريدونها فيما يسمونه "اليوم التالي" لانتهاء الحرب، وكأن صندوق الانتخابات سيكون الدواء السحري لجراح ملايين الشعب الفلسطيني النازفة، أو أنها ستمنح قلوبهم ونفوسهم الطمأنينة وستمكنهم بقدرة – مقترحات وخريطة طريق هذا العبقري الفذ وذاك !!!! من تجاوز مآىسيهم ومعاناتهم فور رؤية صورة المرشح هذا أو ذاك على الجدران، هذا إن بقيت جدران وأرصفة شوارع وساحات في غزة !!.
كان حريًا بهؤلاء – لو كانوا فعلا يفكرون بعقل وطني – أن تكون دعوتهم للعقول والخبرات الوطنية للالتقاء، والبدء برسم مخططات آنية لحماية الشعب الفلسطيني من آلة الدمار والإبادة الدموية على كل المستويات المحلية والعربية والدولية والقانونية، وإبداع الوسائل التي تمكن ملايين النازحين من الحصول على أهم مقومات العيش والحياة كالماء والغذاء والدواء، والكهرباء، كركائز لتعزيز الثبات والصمود والتمسك بالوطن، ما يعني حتما كسر مؤامرة النكبة الثانية بالتهجير القسري من قطاع غزة والضفة الغربية أيضًا .. وفي الحد الأدنى كان عليهم الالحاح على الاطر التمثيلية للشعب الفلسطيني – بعضهم أعضاء فيها - لدراسة كيفية إعادة بعض ملامح الحياة الكريمة للمواطن المنتحب على أبنائه ورزقه وبيته وقبل كل أمر المنتحب على وطن يخشى أن يفقده، كان حريًا بهم عصر أدمغتهم، لمنح الجماهير بشارة أمل..
على الأقل فيما يدعم منهج الرئيس والقيادة الوطنية الفلسطينية لتثبيت رؤية الحل السياسي الشامل، ومنع مؤامرة تدمير واقتطاع غزة، وفرض واقع الاستيطان والاحتلال على الضفة الغربية وتهويد القدس.. لكنهم للأسف لم يفلحوا عندما كانوا في كابينة القيادة، فهل تراهم سيفلحون فيما هم يحرثون هواء الفضائيات وورق الصحف لغايات تخصهم فقط؟ إنهم "الأنا" بأشد صورها قتامة؟!.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها