بقلم: فاطمة إبراهيم 

"كنت أحاول حماية وليد، ولم أكن أتوقع أن أفجع بمحمد، لقد كسر ظهري"، بهذه الكلمات بدأ عبد الكريم الصباغ حديثه حول استشهاد ولده محمد الصباغ (30 عامًا) في مخيم جنين للاجئين شمال الضفة الغربية مساء الخميس الماضي.

في منزله في حي الجابريات، استُشهد محمد برصاص قناص إسرائيلي ربما دفعته غريزته الوحشية إلى استسهال الضغط على الزناد، خلال اقتحام قوات الاحتلال لمخيم جنين، يوم الخميس الماضي، إذ أطلق عليه النار وهو يحاول فتح الشباك لاستطلاع تحركات جيش الاحتلال حول منزله.

يقول والده: "كنا نراقب الأخبار الواردة من مواقع التواصل حول اقتحام المخيم، فحاولت منع شقيقه وليد من النزول إلى الشارع، كان يحاول الوصول إلى مستشفى ابن سينا، قلت له، لا تغادر المنزل، فمنطقة المستشفى خطرة جداً، وطلبت من محمد أن يبقى قريبا منه ويمنعه من مغادرة المنزل. قال لي، اطمئن فسوف أبقى بجانبه، وقف بجانب الشباك، قبل أن يسقط على الأرض مدرجا بدمه".

منذ يوم استشهاده، لا يغادر الصباغ الغرفة التي استُشهد فيها ابنه البكر وسنده وفلذة قلبه، ويضيف، "حدث ذلك كله في لحظة.. لحظة غادرة لا يمكن تخيلها إذ  انتهى كل شيء".

استقرت رصاصة القناص في صدر محمد ولم تمهله حتى وصول سيارة الإسعاف، مخلّفا وراءه ثلاثة أطفال أكبرهم بعمر 5 سنوات، ورابعا ينتظر ولادته بعد شهرين.

ويتابع الوالد قائلاً: كنت أعتبر أنه سيكون سند إخوته من بعدي، لكن ظهري انكسر باستشهاده، مؤكدًا أن وضع زوجته صعب جداً، وأن والدته منهارة، وأن مصيبتهما كبيرة ويصعب التحدث إليهما، ذلك أن "ظهر العائلة" قد انكسر.

وعلى الرغم من تواجد محمد الصباغ في منزله، الذي يبعد أساساً عن المخيم قرابة كيلو متر، ذلك أنه يسكن في منطقة الجابريات عند مشارف المخيم، وعلى الرغم من تأكيد الأهالي عدم وجود أي اشتباكات أو إطلاق نار أو أي صوت لطائرات الاحتلال في الفترة التي سبقت استشهاده، إلا أن قناصًا إسرائيليًا قرر إنهاء حياته بإصابته برصاصة قاتلة في القلب مباشرة.

يقول والده: "لم يفتح الشباك بشكل كامل، فقط أزاح طرفاً منه، وكان القناص يتربص به، وكان هو ووليد يقفان بجانب بعضهما، قُتل محمد ونجا وليد الذي كنت أخشى خسارته إن حاول النزول إلى الشارع".

ويستذكر الوالد المكلوم، كيف أن ولده الذي كان يعمل داخل أراضي عام 48 قبل أن يتوقف منذ اندلاع الحرب المجنونة على قطاع غزة، عاش أيامه الأخيرة مسالما وضاحكا وكأنه كان يودع عائلته دون أن يعرف ودون أن يعرفوا..

ويضيف: "كان يقضي طوال اليوم معنا، وكان يحثنا على زيارة أخواتي، وجميع أقاربنا، وقبل استشهاده بيومين، أصر أن نذهب إلى صالون الحلاقة أنا وأخواه الاثنان وأن نحلق رؤوسنا".

وقتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي يوم الخميس الماضي 14 مواطنًا خلال اقتحامها مخيم جنين، فيما أصيب 17 مواطنًا بجروح وُصفت بعضها بالخطرة.

ووصل عدد شهداء محافظة جنين منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلى 40 شهيداً كان آخرهم شهيدين قتلهما الاحتلال يوم أمس، أحدهما في مدينة جنين والآخر في بلدة عرابة.

وتتعمد قوات الاحتلال اقتحام مدينة جنين ومخيمها بشكل شبه يومي منذ بداية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وما قبل ذلك، مدعومة بالجرافات العسكرية والطائرات المسيرة، ومخلّفة تدميرًا في البنية التحتية وتجريفًا للشوارع وقطعًا للكهرباء وتدميرًا لشبكات المياه في جنين ومخيمها.