نزح المواطن محمود المصري إلى رفح جنوب قطاع غزة، بحثًا عن مكان أكثر أمنًا، مع تواصل القصف الإسرائيلي المكثف على بلدته بيت حانون شمال شرق قطاع غزة.

وقبل نزوحه، دفن المصري (60 عامًا)، اخوته الثلاثة وخمسة من أبنائهم استشهدوا في القصف، في قبر جماعي حفره في بستان حمضيات يحيط بمنزله المكون من طابقين.

وفي الأسابيع الأولى من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدء في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لم يكن المصري الذي يعمل في الزراعة، ينوي النزوح عن منزله وبستانه، لكن اشتداد القصف في المنطقة دفعه إلى النزوح قبل حوالي عشرة أيام مع زوجته وأولاده إلى أحد المستشفيات جنوب القطاع.

ويقول المصري: إن القصف العنيف والمتواصل اضطره إلى دفن أفراد العائلة في البستان بعدما استشهدوا في ضربة إسرائيلية على بيت حانون .

ويضيف: "لا خيار لدينا، فالمقبرة تقع في المنطقة الحدودية التي توغلت فيها الدبابات الإسرائيلية".

ويستدرك "الوضع خطير جدًا، سوف أنقل الجثث بعد الحرب".

ويؤكد علمت أن الجرافات الإسرائيلية هدمت بيتي لا أعرف هل بقي القبر أم دمروه.

وتسبب ارتفاع أعداد الشهداء في اكتظاظ معظم مقابر القطاع مع استحالة الوصول إلى تلك الواقعة عند الحدود في مناطق يستهدفها القصف الإسرائيلي المكثف. واضطرت هذه الأزمة العائلات إلى تصرف وفق ما هو متوافر من إمكانات.

مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجازر في مخيم جباليا للاجئين،  بعد أن قصفت منازل سكنية، ما أسفر عن استشهاد العشرات، غالبيتهم نساء وأطفال.

وانتشلت طواقم الإنقاذ والإسعاف والمواطنون جثامين نحو خمسين شهيدًا، وحمل المواطنون تلك الجثامين في صندوق شاحنة إلى المستشفى الأندونيسي قبل أن ينقل بعضها على عربات تجرها دواب إلى إحدى المقابر، لكنهم لم يجدوا مكانا لدفنها. فتوجه المشيعون نحو ملعب ترابي لكرة القدم خلف المستشفى الأندونيسي وأقاموا حفرة كبيرة مستطيلة الشكل، قسموها إلى قسمين، واحد للذكور والثاني للإناث، دفنوا الشهداء قبل أن يغطوا الحفرة بألواح من الصفيح ويرموا عليها الأتربة.

قبل العدوان، كان الملعب الواقع في منطقة تل الزعتر في مخيم اللاجئين مخصصا للمباريات المحلية وهو تابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

وتحيط بالملعب ثلاث مدارس تابعة للأمم المتحدة تم تحويلها إلى مراكز لجوء للنازحين خلال العدوان، تتدلى من شرفاتها الملابس المغسولة.

يقول المواطن شحدة ناصر (48 عامًا) "ندفن الشهداء في أماكن عامة، في الملاعب، في أراض فارغة، لا مكان في المقابر".

ويضيف المواطن الذي شارك في الدفن الجماعي "يتم نقل الشهداء في عربات تجرها دواب بسبب نفاد الوقود" اللازم لتشغيل المركبات.

ومنذ بدء العدوان، شددت إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، من حصارها على قطاع غزة، وقطعت إمدادات الكهرباء والماء، ومنعت إدخال الوقود.

وارتفعت حصيلة الشهداء والجرحى من أبناء شعبنا نتيجة العدوان المتواصل منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي على قطاع غزة إلى 10790 شهيدًا وأكثر من 26 ألف جريح، في حصيلة غير نهائية لوزارة الصحة.

وأضافت الوزارة أن من بين الشهداء 4412 طفلا، 2918 سيدة، و667 مسنا، فيما بلغ عدد المفقودين نحو 2650 مواطنا، بينهم أكثر من 1400 طفل.

وأضافت أن 117 ألف نازح إلى جانب الطواقم الطبية والصحية وآلاف المرضى يقيمون في المرافق الصحية.

وذكرت أن هناك 1.5 مليون مواطن نزحوا في غزة داخليا، ما يعادل أكثر من 70% من سكان القطاع، حيث يعيش نحو 690.400 مواطن في 149 ملجأ طوارئ مخصصًا للأونروا.

كما يقيم 121,750 مواطنًا في المستشفيات والكنائس والمباني العامة الأخرى، وحوالي 99,150 في 82 مدرسة غير تابعة للأونروا، ويقيم النازحون المتبقون الذين يبلغ عددهم 600 ألف شخص مع عائلات مضيفة، حيث انتقل 150 ألف مواطن لمراكز الإيواء في الأيام القليلة الماضية بحثًا عن الطعام والخدمات الأساسية.

ويعاني 15% من النازحين قسرًا من إعاقات مختلفة، كما أن معظم مراكز الإيواء غير مجهزة بشكل كاف لتلبية احتياجاتهم، كما تلوح في الأفق كارثة صحية عامة في ظل النزوح الجماعي واكتظاظ الملاجئ.