بقلم: الحارث الحصني

يسود مؤخرًا جو خريفي في الأغوار الشمالية، التي ينتظر مواطنوها موسمًا بعليا قريبًا، لكن الناس في الشريط الشرقي للضفة الغربي، تنظر بعين القلق إلى الأوضاع العامة، بعد أن تصاعدت اعتداءات المستعمرين بشكل لافت.

ويبدو الوضع طبيعيًا من الطريق العام المار قرب خيام المواطنين في تجمع "نبع غزال" بالفارسية بالأغوار، لكن حين التوغل عشرات الأمتار غربًا، تطل عليك مأساة حقيقية تعيشها العائلات منذ عشرة أيام تقريبًا.

فعائلة لؤي أبو محسن التي نصبت خيامها منذ عشرات السنين في مكان يقابل مستعمرة "روتم"، تصبح وتمسي على تواجد مستمر للمستعمرين من "مجموعة التلال" الإرهابية وغيرها، يحرثون أراضي ملاصقة لخيامهم مباشرة.

قال أبو محسن: جاءنا المستعمرون وطاردوا الأطفال حتى أدخلوهم في الخيام، ولا يأتي هؤلاء المستعمرون فرادى، بل جماعات ويحضرون جرارًا زراعيًا، ويحملون الهراوات.

وبالرغم من أن المنطقة برمتها، تعيش تحت تهديد الاستعمار الرعوي الذي ألقى بظلال سلبية على مربي الثروة الحيوانية هناك، إلا أن تهديدًا أكثر جرأة بدأ في المكان.

فقبل عشرة أيام، أحضر مستعمر من المستعمرات المقامة في الأغوار الشمالية، جراره الزراعي وبدأ بحراثة أرض زراعية مملوكة "بالطابو" لأحد المواطنين، لكن تواجد أفراد العائلة في خيامهم، منعه من إكمال عمله وغادر المنطقة.

ومع بداية الأسبوع الجاري، عاد المستعمر على جراره الزراعي، برفقة آخرين، وبحماية قوات الاحتلال وبدأ بحراثة الأرض من جديد، حتى أكمل عمله وغادر.

ومع ذلك، بدأ أبو محسن وأبناؤه فصلاً مأساويًا من فصول الحياة في الأغوار الشمالية إلا أنه يقول "ترك الأرض ليس حلاً.

والعائلة التي تعيش بشكل رئيسي على تربية الماشية لها تاريخ طويل في مواجهة "مجموعة التلال" الإجرامية، بالمراعي التي بدأت تضيق عليهم بالأغوار الشمالية.

كان ذلك بالمراعي البعيدة، أما الأن يصل الحال بالمستعمرين الاعتداء على أراضٍ زراعية ملاصقة لخيام المواطنين فهذه الكارثة الحقيقية.

قال لؤي: "إنها مأساة حقيقية، جاؤوا علينا وحاصروا كل أفراد العائلة في غرفة واحدة". 

وأضاف: "حدث ذلك في الصباح والمساء في ثلاث مناسبات".

حقوقيون ومهتمون بشأن الاستيطان، يرون أن تكالب المستعمرين في الأغوار زادت حدته بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي المجرم بحق أبناء شعبنا على قطاع غزة.

قال لؤي: "ماذا يعني أن يحرث مستعمر أرضا كنا نزرعها ملاصقة لخيامنا؟". لكن تبدو الإجابة عن هذا السؤال واضحة، فعندما يزرع مستعمر أرضًا زراعية، يعني أن تواجده هنا دائما.

ونشر مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، (بتسيلم) أن "عُنف المستعمرين له آثار بعيدة المدى على الواقع في المناطق المحتلّة لأنه ينشئ بعد حدوثه حالة من الشعور بالخطر والردع في صفوف الفلسطينيّين. يقوض عنف المستعمرين أسس معيشة تجمّعات بأكملها ويسدّ عليها سُبل كسب الرّزق".

يقول الناشط الحقوقي عارف دراغمة: "يستغل المستعمرون الوضع الراهن، لتنفيذ مخطط الاستيلاء على أكبر مساحة من أراضي الأغوار". ولبث الرعب في قلوب الناس، يستهدف المستعمرون أولا الخيام البعيدة عن قلب التجمعات السكنية.

فالتركيز على الاستفراد بخيام السكان المترامية على أطراف التجمعات السكنية، في محاولة تضمن نجاحا أكبر من البدء من مركز التجمع.

وما يثبت ذلك، أن المواطن نمر أبو محسن، وهو يسكن على أطرف التجمع السكاني في نبع غزال ضمن نطاق الفارسية، قد حزم أمتعته أمس ورحل باتجاه العقبة قرب طوباس.

وقال ابو محسن: "أصبح المكان غير آمن، اليوم حرثوا الأرض الملاصقة لخيامي، وغدا سيستولون عليها". 

قال لؤي: "نحن أرسلنا الأطفال والنساء إلى طوباس، وبقيت مع أشقائي ووالدي".

عائلتان أيضًا رحلتا من خربة "سمرة" باتجاه المالح، بعد اقتحام المستعمرين لخيامهما، قبل أيام، وتهديدهما بالقتل والترحيل.

ونُشرت أرقام على الموقع الالكتروني لــ"مرصد شيرين"، وهو موقع لتوثيق انتهاكات الاحتلال والمستعمرين، فإن ما يقارب 90 اعتداء نفذه المستعمرون بحق الفلسطينيين في الأغوار منذ بداية العام الحالي.

يقول دراغمة: هناك 42 مستعمرة وبؤرة استعمارية في الأغوار الفلسطينية، وهناك في السنتين الماضيتين 14 بؤرة استعمارية جديدة رعوية زراعية في الأغوار.