بقلم: سامي أبو سالم

جلبة في أرجاء المستشفى الأندونيسي شمال غزة، الأطباء منشغلون باستقبال الشهداء والإصابات، فيما بدى أكثر من طاقتهم، إلى أن أطلت عربة يجرها حمار يمشي ببطء، تحمل جثة رجل مغطى بقطعة قماش بيضاء، وآخر يجلس بجانبه مغبّر الوجه والملابس.

وصلت العربة إلى الاستقبال، فلم يلتفت سوى طبيب وكأنه في الانتظار، رفع الغطاء عن جثة شاب ملقى على وجهه، قلب الجثة، ليكشف عن وجه مغطى بالغبار والدم، بحركات سريعة فحص الطبيب الشاب وقال: "إلى ثلاجة الموتى".

شقيق الشهيد الذي كان يجلس إلى جانب، قال: استشهد أحمد في قصف لمدينة بيت حانون، شمال غزة، ولم يكونوا يعلمون، مشيرًا إلى أنه وإخوته بحثوا عنه في المستشفيات والمدارس التي يستخدمها المواطنون كأماكن لجوء ولم يجدوه.

قاد شقيق الشهيد العربة وذهب تحت القصف، قضى ساعات يفتش بين الركام إلى أن عثر عليه ونقله للمستشفى.

توجه الشاب بالعربة التي يجرها الحمار إلى ثلاجة الموتى ببطء، حمل أخاه وأنزله ببطء على الأرض، ولم تلتفت له مجموعة من الشبان يحملون زهاء عشرين شهيدًا من عائلة حلاوة، كانوا قد استشهدوا في استهداف لمنزلهم دون أي سابق إنذار.

جاء أحد المستخدَمين في ثلاجة الموتى، ينظف وجه الشهيد للتصوير والتوثيق، انتهى الشبان من تحميل الشهداء وانطلقوا بالشاحنة، بقي الشهيد أحمد وشقيقه وحيدان على باب الثلاجة المتكدسة بالشهداء من الداخل والخارج.

وقال شقيق الشهيد وهو يجلس بجانب الجثمان على الأرض، ويتأمل وجهه ويمسح على شعره ويبكي: "طلبت أن يضعوه في الثلاجة لكن الموظف أخبرني بعدم وجود متسع".  

تطوع أحد الشبان وانطلق لمدرسة حلب المجاورة التي تكتظ بعدة آلاف من المواطنين النازحين من بيت حانون، للبحث عن أقارب الشهيد.

ووفقًا لمصادر في المستشفى الأندونيسي هناك جثث مجهولة الهوية، من بينهم جثتين لطفلتين إحداهما تبلغ من العمر زهاء 4 سنوات والأخرى زهاء الثمانية، وإمرأة استشهدت في قصف منزل لعائلة أبو خاطر شمال غزة.

ويُشار المصادر إلى أن هؤلاء استشهدن في غارات جوية منفصلة شمال غزة، وحتى هذه اللحظة "لا يوجد من يشيعهن".

ووصل إلى المستشفى، رجال ونساء يبحثون عن أبناء وأقارب لهم، يفتشون في الأشلاء ويتفحصون وجوه الشهداء.

واستشهد أكثر من 2215 مواطنًا، من بينهم 724 طفلاً و458 امرأة، وأصيب نحو 9000 مواطن في غاراتها المتواصلة لليوم الثامن على التوالي، وفقا لمصادر طبية.

وتركز القصف على منازل مأهولة للمواطنين، ما أدى لإبادة خمسين عائلة بالأبوين والأطفال.

وقالت مصادر في المستشفى الأندونيسي إن الجهات المختصة تدرس دفن الشهداء والأشلاء بعد توثيقهم وفق الأصول القانونية.

وتواصل فرق الإنقاذ والمواطنون انتشال جزء من الشهداء، فيما يبقى منهم تحت الأنقاض، بسبب ضغط العمل الكبير والافتقار للمعدات اللازمة.

وقال أحد طواقم الإنقاذ: أن الطواقم لا قدرة لديها على إخراج الأحياء والشهداء من تحت الأنقاض، "نذهب للبيت المقصوف، نقوم بعملنا ونجلي الشهداء والجرحى، وقبل الانتهاء من عملنا تأتي إشارة لبيوت أخرى".

وأضاف: أن "عددًا كبيرًا من الأحياء والشهداء لا يزالوا تحت الأنقاض.. الشهداء ليس لديهم مشيعين والأحياء ربما ينضموا لهم بسبب نزيف أو اختناق".