بقلم: إيهاب الريماوي
في بقعة جغرافية لا تزيد على 365 كم، واكتظاظ سكاني لـ2.2 مليون نسمة، يعيش أغلب المواطنين في قطاع غزة في بنايات عالية ومتقاربة، يضطر الكثير منهم إلى مغادرتها في حال تعرضهم للقصف إلى مناطق أخرى غالبًا ما تكون مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا".
لا يوجد شيء اسمه ملاجئ في قطاع غزة، إضافة إلى أن الإسمنت المسلح الذي يُستخدم لهذا الغرض لا يُسمح له بالدخول إلى غزة.
يظن الكثيرون، أن مدارس الأونروا آمنة لهم ولعائلاتهم، باعتبارها مقرات أممية لا يجوز استهدافها، إلا حين يكون المعتدي إسرائيل، فمدارس الأونروا تعرضت للقصف الإسرائيلي، وكثيرون استُشهدوا أثناء احتمائهم بمدارسها.
يقول المواطن محمد أبو دية من حي الرمال بقطاع غزة وهو أحد العمال الذين تم احتضانهم بمدينة رام الله: بعد أن أجبرهم الاحتلال على ترك أماكن عملهم داخل أراضي عام 48، إن عائلته عرفت النزوح مرتين الأولى عام 2008، والثانية عام 2014.
يتابع قائلاً: عام 2014، اضطررنا إلى مغادرة المنزل بعد القصف العنيف الذي تعرضت له منطقتنا، مكثنا في مدرسة تابعة للأونروا لأكثر من 50 يومًا، كنا نبحث عن الأمان فقط، لاعتقادنا أن الاحتلال لا يستهدف هذه المدارس، إلا أنه خلال ذلك العدوان استهدف عدة مدارس، لكن لا يوجد لدينا خيار آخر.
ويضيف أبو دية: في هذا العدوان، نزحت عائلتي المكونة من سبعة أبناء وزوجتي إلى مدرسة قريبة من منزلنا، وحتى هذه اللحظة لا تتوفر لديهم الوسائل الكافية من فرشات وطعام وشراب، فالأمور كارثية، ومئات العائلات اضطُرت إلى مغادرة منازلها، وتركت كل شيء وراءها، فالجميع يبحث عن إنقاذ حياته وحياة أبنائه قبل كل شيء.
أما المواطن عبد الحليم الرنتيسي من مخيم دير البلح الذي هو الآخر من ضمن العمال الذي وصولوا إلى رام الله، فيقول: عائلتي نزحت إلى إحدى مدارس الأونروا، بعد تعرض مناطق قريبة من المنزل لقصف مكثف، وللأسف لا يوجد مكان آمن للمواطن في قطاع غزة، وإن توجهنا إلى المدارس هو للشعور ببعض الطمأنينة بين الجموع الغفيرة.
ويروي الرنتيسي تجربة النزوح الثانية له مع عائلته عام 2014: اضطررنا إلى البقاء في المدارس لأكثر من 50 يومًا، كنا نحو 35 شخصا في غرفة واحدة، وربما أكثر، وأحيانا تُقسم الغرفة من النصف بوساطة قطع قماش، تُفصل فيها النساء عن الرجال.
ويضيف: كنا نستحم مرة في الأسبوع، ولم نتمكن من استبدال ملابسنا، لأننا خرجنا بالملابس التي نرتديها، فقد كان صعبًا أن نجمع ملابس، خرجنا تحت وطأة القصف الصاروخي.
في حين يقول المواطن أسعد الوحيدي، إن المواطن في قطاع غزة أصبح معتادًا على تجارب النزوح، وهذه المرة يرى أن حظه سيئ لأنه ليس بين أفراد عائلته في حي التفاح بقطاع غزة، ويفضل أن يلاقي المصير الذي سيلاقونه على أن يبقى بعيدا عنهم.
ووصف تجربة النزوح عام 2014 بالكارثية، بسبب طول المدة التي اضطرت فيها العائلات إلى البقاء في المدارس من دون توفر أدنى مقومات الحياة، باستثناء الطعام والشراب.
وخلال العدوان المستمر على قطاع غزة، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، أن إحدى مدارسها التي تؤوي نحو 225 مواطنا تعرضت للقصف، ما تسبب بأضرار جسيمة، فيما أن هذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها طائرات الاحتلال مدارس الأونروا.
ففي عام 2009، استُهدفت مدرسة الفاخورة في بلدة جباليا واستُشهد على إثرها 42 مواطنًا بينهم أطفال، وفي عام 2012، قُصفت مدرسة البريج الابتدائية، وفي عام 2014، قُصفت مدرسة أبو حسين شمال قطاع غزة، ولا يقتصر الأمر على غزة، ففي عام 1996، استهدف الاحتلال مركزاً للأمم المتحدة في بلدة قانا جنوب لبنان بعشرات القذائف، ما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات من الذين نزحوا إلى المركز طلباً للحماية والإيواء.
ووفق "الأونروا"، فإن نحو 218.600 نزحوا إلى 92 مدرسة تابعة للأونروا في كل مناطق قطاع غزة، إضافة إلى العديد من النازحين في المدارس الحكومية ومبانٍ أخرى، رغم أن مدارس الأونروا أشارت في وقت سابق إلى أن قدرتها الاستيعابية لا تزيد على 150 ألف نازح.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها