عنان شحادة

تمنى الأب المكلوم عامر صباح أن يكبر طفله مصطفى سريعا، ليسنده في الحياة، التي كانت اختباراتها بالنسبة له صعبة وقاسية.

هذه الاختبارات كانت أكبر من أن تحتملها العائلة التي فقدت ابنها الأكبر قبل سنوات بمرض عضال ومن ثم ابنتها بذات الطريقة، بينما ابنها يزن معتقل حاليا في سجون الاحتلال منذ عام ونصف دون محاكمه، فيما الابن الأصغر الآن مريض، أما مصطفى فقد ارتقى أمس برصاص الاحتلال الإسرائيلي في بلدة تقوع شرق بيت لحم.

رغم سني عمره التي لم تتجاوز الـ 16، غير أن الاحتلال زج بالطفل مصطفى في سجونه ثلاث مرات، ولفترات متفاوتة، وأصابه بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط مرات عدة.

رغم ذلك لم يكل مصطفى أو يلين وبقي يتقدم صفوف المواجهات عند اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي للبلدة، كما داهم الجنود منزل ذويه أكثر من مرة، وعبثوا بمحتوياته.

يقول والده "كنت في كل لحظة أتوقع خبر استشهاده، حاولت ثنيه عن الخروج للمواجهات، لكنه كان يرفض، طفلي كان ذكيا وكان يدرك حجم الجرائم المرتكبة بحقنا، وكباقي أبناء شعبنا عبر عن رفضه للظلم بأن كان يخرج للمواجهات، لكن هل يعقل أن يواجه حجر طفل صغير برصاصة قاتلة في الصدر؟!".

"يوم استشهاده صلى معي الجمعة، بعدها طلب 5 شواقل، أعطيته وذهب دون أن أعرف وجهته، ليتصل بعدها شقيقي بي ويسألني عنه، ويبلغني أنه سمع بإصابته، لكن سرعان ما انتشر خبر استشهاده" يضيف الأب.

لم يتوقف الأب عن ذرف دموع الحسرة على ابنه، متحدثا بصعوبة حول موقف حدث قبل نحو ثلاثة أشهر تفاجأنا باقتحام قوات الاحتلال بأعداد كبيرة لمنزلنا، وراحوا يصرخون بنا أين السلاح؟ حينها بدأ مصطفى بالضحك والسخرية منهم، ثم انقضوا عليه وانهالوا عليه بالضرب، ظنا منهم أنه يمتلك سلاحا، لكنه سرعان ما أخرج لعبته وهي عبارة عن قطعة خشبية ملفوفه باللاصق الأسود، وعندما شعروا بالخزي من ذلك اعتقلوه بينما هو مستمر بالضحك".

"يستذكر الأب لحظات ابنه الذي كان صاحب ابتسامة دائمة، لا يغضب أحدا"، لافتا إلى أنه أول أمس طلب من والده أن يزور شقيقه يزن في السجن كي يعيّد عليه، لكن لم يكتب له نصيب في ذلك.

ويظهر فيديو تناقلته صفحات التواصل الاجتماعي للشهيد الطفل وأصدقائه يسألونه إلى أين أنت ذاهب: فيجيب "الى درب الشهادة"....

وفي لحظات التشييع، وبينما جثمان مصطفى مسجى في المستشفى وقف رفيق دربه معاذ خضر صباح ناحية رأسه، وراح يتحسس وجهه ويردد بحسرة "أين رحت وتركتني لوحدي، كنا كل يوم نلتقي مع بعض".

يقول معاذ "قبل استشهاده بساعة اتصل معي شقيقه يزن من داخل سجنه، وكأن لديه إحساسا بأن أمرا ما سيحدث مع شقيقه مصطفى، وقال لي بالحرف الواحد "معاذ دير بالك على مصطفى".

مدير مدرسة ذكور تقوع الثانوية ماجد الشاعر التي كان يدرس فيها الطفل قال إن مصطفى كان ذكيا ومجتهدا، وصاحب شخصية قوية وموضع احترام من الجميع".

وبحسب مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للأطفال عائد أبو قطيش، فإن الحركة وثقت منذ بداية العام الجاري استشهاد 19 طفلا، منهم 18 في الضفة الغربية، وواحد في قطاع غزة متأثرا بإصابته جراء العدوان، مؤكدا ان هناك زيادة واضحة في عدد الشهداء، مقارنة بالعام الماضي الذي سجل 36 شهيدا.

وأضاف قطيش أنه في الثلث الأول من العام الحالي، أظهرت الاحصائيات ارتفاعا كبيرا في عدد الإصابات بين الأطفال بالرصاص الحي.

المصدر:وكالة وفا